بقلم : عماد الدين حسين
ما هو المغزى الذى يمكن أن نفهمه من وراء انعقاد القمة الثلاثية المصرية ـ الأردنية ـ الفلسطينية فى القاهرة الخميس الماضى؟
المتابع الذى سيقرأ البيان الختامى لقمة الرئيس عبدالفتاح السيسى والملك عبدالله الثانى ومحمود عباس سيكتشف نقاطا يمكنها أن تجيب جزئيا على السؤال .
فى البند الثانى من البيان عبارة تقول: تناولت القمة الاتصالات والتحركات الأخيرة التى قامت بها البلدان الثلاثة، لاسيما تلك المستهدفة إيجاد افق سياسى حقيقى لإعادة الجهود الفاعلة لحل الصراع الفلسطينى ـ الإسرائيلى، على أساس حل الدولتين.
وفى البند الثالث جاء الآتى: «وجه القادة المسئولون فى الدول الثلاث للعمل معا من أجل بلورة تصور لتفعيل الجهود الرامية لاسئناف المفاوضات والعمل مع الأشقاء والشركاء لإحياء عملية السلام».
وأظن أن هذين البندين ربما يكشفان عن وجود أفق لإعادة بث الروح لعملية السلام.
نعلم جميعا أن هذه العملية ماتت إكلينيكيا خلال سنوات إدارة دونالد ترامب الأربع، حيث اعترف بالقدس الشرقية العربية عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده لها، وصار صهيونيا أكثر من غلاة المتطرفين الصهاينة.
فوز جون بايدن بالرئاسة وعجز بنيامين نتنياهو عن تشكيل الحكومة، وعودة الحديث عن «حل الدولتين» ،بديلا عن أوهام صفقة القرن، أعاد الأمل للبعض بإمكانية استئناف عملية السلام الميتة.
هناك مؤشرات على ذلك مثل عقد قمة بغداد مؤخرا برسالة اساسية ان التهدئة هي العنوان الاساسى الان، وسبقها تقارب بين اطراف اقليمية متصادمة وزيارة العاهل الاردنى لروسيا وامريكا، وقبل ذلك المحاولات المصرية المتواصلة للمصالحة الفلسطينية.
هناك ايضا لقاء أبومازن والوزير الاسرائيلى بينى جانتس، واحتمال زيارة بينت للقاهرة.
الجديد فى المنطقة الآن وجود رغبة من الجميع بالتهدئة، وإدراك الثلاثى الإقليمى، إسرائيل وتركيا وإيران، أن الهيمنة التى كانوا يحلمون بها يصعب تطبيقها للنهاية.
ومن الواضح أيضا أن هناك رغبة أمريكية وأروبية بالتهدئة بعد الزلزال الأفغانى والانسحاب الأمريكى المذل من هناك، وتولى حركة طالبان الحكم، والمخاوف من استغلال المتطرفين والارهابيين هذا التطور لالتقاط أنفاسهم وإعادة ترتيب أنفسهم، وشن عمليات جديدة فى المنطقة.
ومن الواضح أيضا أن القضية الفلسطينية لا تشغل أى طرف إسرائيلى فاعل، والجميع يتعامل باعتبارها موجودة فى «ديب فريزر» وليس ثلاجة عادية، والموضوع الأساسى الذى يشغل غالبية الاسرائيليين هو إيران والخوف من توقيع أمريكا والغرب اتفاق جديد معها، يعطى طهران هامش أكبر من حرية الحركة فى المنطقة، ويعزز مكاسبها الإقليمية خصوصا فى لبنان وسوريا، وهو ما تتحسب له تل أبيب بقوة.
فى البيان الختامى نقرأ كلمات تعبر عن مواقف مصرية ـ أردنية ثابتة، مثل إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود ٦٧، عاصمتها القدس ورفض فرض الأمر الواقع.
وضرورة المصالحة الفلسطينية، ودعم جهود مصر لإعادة إعمار غزة، وهى مواقف ورغم أنها قديمة، الا أن إعادة التأكيد عليها يمثل رسالة مهمة لإسرائيل، ولكل من يعتقد أن البلدين تخلى عن قضية العرب المركزية الأولى.
لكن السؤال الأساسى الذى يفترض أن يسأله كثيرون هو: هل هناك ظروف موضوعية إقليمية ودولية وإسرائيلىة، تشير إلى إمكانية استئناف مفاوضات حقيقية وجادة لإحياء عملية السلام.
معلوم أن مصر والأردن يحاولان ضخ أى دماء جديدة لعملية السلام منذ فترة طويلة، خصوصا بعد صعود بايدن، لكن العامل الأساسى يتمثل فى ضرورة وجود «شريك» إسرائيلى، لديه الحد الأدنى من الرغبة فى إقامة سلام، ومن الواضح أن هذا الشريك غير موجود على أرض الواقع، حتى بعد تولى نفتالى بينت رئاسة الحكومة، بالتعاون مع ائتلاف من يمين ويسار الوسط، خصوصا يائير لابيد وبينى جانتس، ودعما من الكتلة العربية.
والاقرب إلى التوقع ان كل ما يمكن ان تقدمه اسرائيل الآن هو «السلام الاقتصادى»، أى فتح المعابر، ولمّ شمل أسر فلسطينية، والإفراج عن بعض مستحقات السلطة الفلسطينية، وإدخال المنحة القطرية لغزة بشروط قاسية وعدم شن اعتداءات جديدة.
وبالتالى فإن السؤال الأدق هو: هل هناك موقف عربى موحد وقوى قد يجبر إسرائيل على العودة لمفاوضات تقود لحل سياسى عادل ودائم؟!
فى كل الأحوال فإن تأكيد مصر والأردن وفلسطين على تطابق مواقفهم، هو فى حد ذاته موقف جيد، خصوصا أننا قبل شهور قليلة كان بعض العرب يهرول باتجاه إسرائيل مجانا!