ما هو الخطأ الأكبر الذى وقعت فيه الدكتورة وسام شعيب طبيبة النساء والتوليد فى مستشفى كفر الدوار بمحافظة الغربية قبل حوالى أسبوعين؟
فى ظنى وتقديرى أنها تحدثت بلغة سوقية جدا وبمنطق فوقى، وكأن كل المواليد أو غالبيتهم «أولاد حرام».
وسام شعيب هى طبيبة فى مستشفى كفر الدوار ظهرت فى مجموعة من الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعى تتحدث فيها عن رصدها لبعض حالات حمل السفاح والزنا لفتيات وسيدات ترددن عليها فى عيادتها الخاصة.
الرأى العام انقسم إلى قسمين؛ الأول كبير إلى حد ما ويعارض ما فعلته، والثانى قليل جدا ويدافع عنها ويرى أنها غيورة على المجتمع وأرادت أن تنبه الجميع قبل أن تتفاقم الظاهرة.
وبعد أن طالعت وقرأت الكثير مما كتب وقيل عما قالته طبيبة كفر الدوار فسوف أسجل سبع ملاحطات عن الواقعة..
الملاحظة الأولى: رغم الأخطاء الكثيرة التى وقعت فيها وسام شعيب فأغلب الظن أن نيتها كانت طيبة وتحدثت بمنطق الحرص على الأخلاق والتربية والصالح العام.
هى أرادت أن تنبه الناس إلى ضرورة الاهتمام بتربية أولادهم، خصوصا بناتهم خوفا من تفشى الانحراف، ولكنها من حيث لم ترد فقد أساءت بصورة لا شك فيها للأخلاق والتربية بل والمصريين عموما.
الملاحظة الثانية: ينسب للدكتور الكبير مجدى يعقوب قوله: «نحن أطباء ولسنا قضاة».
وبالتالى فليس مهمة الطبيب محاكمة المريض وفضحه كما فعلت الدكتورة وسام. سيقول البعض ولكن من حقها أن تلفت النظر إلى الظواهر الاجتماعية الخطيرة التى تراها بحكم عملها، كما يفعل العديد من فئات المجتمع.
والرد على ذلك نعم من حقها أن تفعل ذلك لكن بطريقة مختلفة ومحترمة وعلمية وليس بالطريقة الفجة العشوائية التى تحدثت بها.
الملاحظة الثالثة: وهى أن الخطأ الأكبر أن الطبيبة عممت وجزمت بأن زنا السفاح منتشر فى المجتمع، وأن على الآباء أن يتاكدوا من حقيقة نسب أولادهم إليهم!!
السؤال من أين جاءت الطبيبة بهذا الجزم؟! هل لديها عدد حالات المواليد عموما ومواليد السفاح فى منطقتها وهل لديها البيانات الكاملة لهذه الظاهرة على مستوى الجمهورية؟!!
المؤكد أن الإجابة لا ومن حقى كمواطن مصرى وبحكم عملى كصحفى ومهتم بالشأن العام أن أقول أن كلامها خاطئ تماما. نعم القيم تراجعت إلى حد كبير ورغم ذلك فإن هذه الظاهرة ما تزال قليلة جدا جدا، وما أقوله ليس رأيى فقط ولكن قرأت للدكتور أحمد شوقى، الأستاذ بطب القصر العينى بقسم النساء والتوليد، أنه وطوال عمله 30 سنة فى القسم لم ير إلا حالة واحدة لزنا السفاح.
الملاحظة الرابعة: بعض من دافع عن هذه الطبيبة انطلق فى دفاعه من زاوية خاطئة تماما، مثل قوله إن المجتمع لم يغضب من بعض الفتيات أو الممثلات اللاتى ظهرن فى فيديوهات مخلة أو ممثلين يروجون لفن هابط وقيم منحطة. هذا كلام غريب وعجيب للغاية؛ لأن المجتمع المصرى أدان كل هذه الظواهر فى وقتها بصورة كاسحة وأبطالها موصومون بأنهم رموز للسقوط الأخلاقى والتمثيل الهابط.
الملاحظة الخامسة: أن الطبيبة ومن دافع عنها تحدث بلغة وعظية شديدة الفوقية والاستعلائية غافلين تماما عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية شديدة الصعوبة فى المجتمع، والتى تدفع البعض أحيانا إلى هذا المصير البائس.
الطبيبة ومن معها لا يقدر أثر الظروف الاقتصادية والاجتماعية وبدلا من لوم السياسات التى قادت الفتيات إلى هذا المصير يقع اللوم على فتيات بائسات.
وكما قال أحد المعلقين منتقدا الطبيبة ومن دافع عنها: «كونك مستورة وعيالك كويسين فهذا ليس شطارة منكِ، بل هو ستر ربنا أولا وأخيرا، ومن ستره الله فلا نفضحه بل نقوم بعلاج حالته».
الملاحظة السادسة: من الواضح أن وسائل التواصل الاجتماعى أصابت كثيرين من أفراد المجتمع بحالة غريبة من التشوه والتخبط والإفتاء بغير علم سواء بحسن نية أو لا أو بحثا عن «اللايك والشير». معظم هؤلاء لا يدركون أن ما يكتبونه حتى لو كان بحسن نية يمكن أن يؤدى إلى كوارث كثيرة لا تصيب فقط بعض الأفراد ولكن يمكن أن تصيب مجتمعا بكامله.
وأغلب الظن أن وسام شعيب ومن دافع عنها لم تفكر للحظة واحدة فى مدى التشويه الذى نال من سمعة مصر والمصريين حينما يسمع غير المصريين كلامها بأن معظم المواليد مشكوك فى صحة أنسابهم.
الملاحظة السابعة والأخيرة هى أننى كنت أفضل أن يكون التعامل مع هذه الواقعة على يد منظمات المجتمع المدنى والأهلى فقط، خصوصا نقابة الأطباء، ولا تصل إلى جهات التحقيق الرسمية. هذه ظاهرة اجتماعية خطيرة وعلاجها ليس بحبس الطبيبة، بل بعلاج الأسباب التى تدفع آخرين إلى الحديث بغير علم أو كتاب مبين.