هل على الولايات المتحدة وحلفائها أن تقلق من مجموعة البريكس بعد توسعها فى القمة الأخيرة التى عقدت فى جوهانسبرج؟!
قبل يومين نشرت فى هذا المكان تعليقا على ما كتبه «راجا موهان» فى «الفورين بوليسى» بعنوان: «توسع البريكس محاولة فاشلة لإنهاء هيمنة الغرب». وجوهر مقاله أن الخلافات الداخلية بين أعضاء البريكس القدامى والجدد، لن تسمح لهم بالتوحد لتحدى الولايات المتحدة اقتصاديا، وبالتالى فعلى أمريكا ألا تقلق من بريكس، بل عليها العمل على ضرب المجموعة من الداخل واللعب على تناقضاتها الداخلية الكثيرة.
لكن افتتاحية النيويورك تايمز يوم السبت الماضى تقول كلاما مهما ومختلفا عما جاء فى مقال الفورين بوليسى.
الجريدة الأمريكية المعروفة عالميا كتبت تحت عنوان «توسع بريكس يوجه ضربة للقوة الأمريكية»، وقالت إن هذه المجموعة صارت تشكل تحديا لواشنطن، وأن واشنطن كانت دائما تتجاهل البريكس، بل لم تضعه على «رادارها» وحاولت التقليل دائما من أهميتها، لكن التوسع الأخير للمجموعة أفسح المجال للقلق لأنه يكشف عن عدة معانٍ منها أن بلدان المجموعة يؤكدون بشكل لا لبس فيه عدم رضاهم عن النظام العالمى وسعيهم لتحسين مكانتهم فيه.
فى تقدير «النيويورك تايمز» ــ وهو فى رأيى صحيح جدا ــ أن توسع بريكس يشكل تحديا كبيرا لأمريكا خصوصا أن قبضتها تضعف على الهيمنة العالمية وهى تنصح بأنه من الخطأ الفادح تجاهل المجموعة بل تعلم ممارسة التعاون.
الصحيفة الأمريكية ترصد ثلاثة مجالات رئيسية لتحدى بريكس للولايات المتحدة وهى المعايير العالمية والمنافسات الجيوسياسية والتعاون الإقليمى.
هى تقول إن أمريكا تدخلت بصورة كارثية فى العراق وأفغانستان، ورغم ذلك ما تزال تقول إنها تتحدث باسم قيم الحرية والديمقراطية، لكن مفهوم الديمقراطية مقابل الاستبداد فقد مصداقيته بسبب احتضان واشنطن للعديد من الحكومات المستبدة.
وجود دول بينها مشاكل داخل البريكس قد لا يحل هذه المشاكل، لكنه فى نفس الوقت قد يخلق فرصا فريدة لإجراء محادثات مباشرة بينها فى بيئة متعددة الأطراف وآمنة نسبيا.
تعترف النيويورك تايمز بأن أمريكا لطالما استغلت الانقسامات بين الدول لتحقيق أهدافها الخاصة خصوصا فى منطقة الشرق الأوسط، وهى تميل دائما لتقسيم العالم إلى مناطق لإدامة تفوقها.
هى مثلا تحصن حلفاءها وشركاءها فى الجنوب على مواجهة خصوم أمريكا، أو أنها تقيم علاقات عميقة مع شركاء محليين مثل تشجيع الهند والفلبين على مواجهة الصين أو حض دول الخليج على عداء إيران وإقامة علاقات مع إسرائيل.
من النقاط المهمة التى تلفت افتتاحية النيويورك تايمز النظر إليها، أنه رغم وجود دول أعضاء فى البريكس لديهم علاقات طيبة جدا مع واشنطن مثل الهند ومصر، لكن بات واضحا أن هذه الدول تفضل العيش فى عالم تكون فيه الولايات المتحدة قوة رائدة وليست قوة مهيمنة.
تعتقد الصحيفة أيضا أن إيران وبعد انضمامها إلى البريكس ستميل إلى تجاهل العقوبات الأمريكية المفروضة عليها وتثبت أن لديها أصدقاء أقوياء فى المجموعة.
فى نفس التوقيت تقريبا التى صدرت فيه افتتاحية النيويورك تايمز كان هناك موقع آخر هو «unherd» يقول إن على الغرب أن يقلق من توسع بريكس، مشيرا إلى أن دولا مختلفة فى الجنوب وصلتها رسالة أساسية حينما قامت الولايات المتحدة بالاستيلاء على احتياطات العملة الروسية، وهى أن ممتلكات هذه الدول معرضة لمخاطر جيوسياسية. ولا يمكن فصل ذلك عنما أعلنته مؤخرا ديلما روسيف رئيسة بنك تنمية البريكس، بأن البنك سيزيد من إقراض أعضائه بالعملات المحلية ومن دون شروط سياسية، كما يفعل صندوق النقد والبنك الدوليين.
الموقع يشير بوضوح إلى أنه بعد توسع بريكس فى أول يناير المقبل بضم مصر والإمارات والسعودية وإيران والأرجنتين وإثيوبيا فإن حصة التكتل فى الناتج المحلى الإجمالى العالمى ستزيد من ٣٢٪ إلى ٤٥٪ وهو ما يتجاوز حصة مجموعة السبع الكبرى التى تمثل ٣٠٪ من الناتج العالمى. ثم إن انضمام السعودية والإمارات وإيران سيعنى نهاية سيطرة الولايات المتحدة على أسعار النفط.
ومن الواضح أن أمريكا والغرب فوجئوا بتطورات البريكس المتسارعة والعلاقات التجارية الواسعة بين أعضائه والأهم احتمال التنسيق السياسى إلى حد ما. وبالتالى يبدو تحليل النيويورك تايمز ومن سار على نهجها فى موضوع توسيع عضوية البريكس منطقى إلى حد كبير.
ومرة أخرى نسأل: ما الذى يمكن لواشنطن أن تفعله فى مواجهة تحديات بريكس؟.