بقلم: عماد الدين حسين
السؤال الذى يطرحه كثيرون: ما الذى سيحدث بعد أن تمكنت إسرائيل من اغتيال قائد حماس فى غزة يحيى السنوار يوم الأربعاء الماضى؟
تقديرى وبعد أن سألت العديد من الخبراء والمصادر أنه وما لم تحدث معجزة فإن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو سوف يواصل العدوان وجرائم الإبادة فى قطاع غزة، بل يوسعه فى لبنان واليمن وسوريا وقد يحاول الوصول إلى دمشق، وسوف يواصل عملية التحرش بإيران حتى تعطيه فرصة الانقضاض على برنامجها النووى وصواريخها البالستية.
وفى التفاصيل فهناك أكثر من سيناريو لكن أولها وأكثرها ترجيحا هو استمرار العدوان بقوة غاشمة سواء فى غزة أو لبنان، على الأقل حتى موعد إجراء الانتخابات الأمريكية وإعلان اسم الفائز بها. فإذا كان ترامب فإن نتنياهو سيكون أول الرابحين لأن المرشح الجمهورى يرى أن إسرائيل مقامة على مساحة صغيرة وتحتاج إلى التوسع. ولن تتضرر إسرائيل كثيرا إذا فازت كامالا هاريس، بل ربما تسعى إلى لجم وفرملة نتنياهو وليس وقفه، خصوصا أنه تجاوز مسألة الغضب الشعبى الداخلى ضده بعد النجاحات الميدانية المهمة، خصوصا اغتيال حسن نصر الله ويحيى السنوار وإسماعيل هنية وقادة آخرين، إضافة إلى تدميره الممنهج لغزة وجنوب لبنان.
وخلافا لكل التوقعات فإن نتنياهو يعيش الآن أفضل أيامه منذ الانتكاسة الكبرى فى ٧ أكتوبر قبل الماضى، وقبلها معركة الإصلاحات القضائية.
نتنياهو لن يقبل بأى صفقة إلا بشروط تعجيزية على حماس أو حزب الله وستكون شروطه أصعب بكثير حتى من تلك التى طرحها فى نهاية يوليو الماضى. ورأيناه بعد اغتيال السنوار يطلب من المقاومة إطلاق الأسرى الإسرائيليين مقابل أن يعفو عنهم ولا يقتلهم بعد استسلامهم ولم يتحدث أبدا عن وقف عدوان أو انسحاب من القطاع.
مرة أخرى هذا السيناريو مرجح لأنه لا يوجد أى ضغط دولى أو إقليمى أو محلى على نتنياهو لوقف الحرب، بل إن القوى السياسية التى كانت تعارضه فى إسرائيل بشأن غزة تؤيده بقوة فى عدوانه على لبنان، ولم نعد نسمع صوت أهالى الأسرى وأنصارهم.
ومن وجهة نظر الطبقة السياسية الإسرائيلية فإن مشروع نتنياهو باستمرار العدوان قد حقق مصالح استراتيجية عليا لبلاده، وبالتالى هناك فرصة قد لا تتكرر كثيرا من أجل التوسع فى العدوان والإجهاز على كل القوى المعادية لإسرائيل أو على الأقل تحييدها. من أجل كل ما سبق فأغلب الظن أن نتنياهو سيستمر فى عدوانه حتى تظهر نتائج الانتخابات الأمريكية ووقتها يكون لكل حادث حديث.
السيناريو الثانى أن تتمكن الإدارة الأمريكية من إقناع نتنياهو ــ وليس الضغط عليه ــ بأن من مصلحة بلاده التوصل إلى اتفاق بعد هذه النجاحات الميدانية المتتالية، وقد سمعنا الرئيس الأمريكى جو بايدن، ونائبته المرشحة الرئاسية كمالا هاريس، يطالبان إسرائيل فعلا بانتهاز هذه الفرصة، والتوصل إلى صفقة تطلق سراح الرهائن وتوقف الحرب، لكن رد نتنياهو كان واضحا أن المهمة لم تكتمل، وبالتالى فالعدوان مستمر إلا إذا حدثت معجزة وضغطت واشنطن على إسرائيل لوقف الحرب، وهو أمر مستبعد تماما.
نسيت أن أقول لكم إن نداءات بايدن بوقف الحرب ليست غراما بعيون أهالى غزة وضحاياها، ولكن استمرار العنف والعدوان قد يقود إلى ارتفاع أسعار النفط، ويفجر الصراع بالمنطقة وهو ما قد يؤثر على فرص هاريس فى الانتخابات، وليس خافيا أن نتنياهو سيسعى بكل الطرق لإعطاء هذه الهدية «وقف العدوان» لترامب وليس لبايدن الذى وصفه بألفاظ بذيئة حسب كتاب بوب وودورد الأخير وعنوانه «حرب!».
ما بين السيناريو الأول والثانى لابد أن نعرف ما هو موقف حماس الفعلى وليس المعلن. فخليل الحية المرشح لخلافة السنوار وبعد أن نعاه يوم الجمعة الماضى، أكد أنه لا اتفاق يطلق سراح الأسرى إلا بوقف العدوان والانسحاب الإسرائيلى الكامل من القطاع، وهو كلام نظرى مهم، لكن اختباره عمليا يتوقف على قدره المقاومة على إيذاء إسرائيل وجعلها تفكر أكثر من مرة فى استمرار احتلال غزة.
خصوصا أننا بدأنا نسمع أصوات اليمين المتطرف فى إسرائيل لا تحاول فقط معارضة الانسحاب من غزة، بل بدء الاستيطان فيها.
تلك هى ملامح الصورة من وجهة نظرى والمؤسف أنها شديدة القتامة ما لم تتمكن المقاومة من التقاط أنفاسها وبدء حرب استنزاف طويلة الأمد ضد المحتل العنصرى.