بقلم : عماد الدين حسين
أظن أن انتقال نجم الكرة الأرجنتينى الكبير ليونيل ميسى من ناديه العريق برشلونة الإسبانى إلى نادى باريس سان جيرمان، وضع كلمة النهاية فى حكاية أو خرافة أو أسطورة «ابن النادى» المخلص إلى الأبد بحيث لا ينتقل أبدا إلى ناد آخر.
ميسى ربما كان آخر أشهر اللاعبين، الذين التزموا بالبقاء مع الفريق، الذين بدأوا معه منذ كانوا أشبالا صغارا قبل أكثر من عشرين عاما.
العاطفيون والمتحمسون، كانوا يستخدمون قصة ميسى للتدليل على أن هناك شيئا آخر مهما فى علاقة اللاعب بناديه، غير النقود والعقود والإعلانات والثروات المتراكمة، ويقولون إن ميسى رفض كل العروض المغرية فى السابق، لأنه يعشق، ويحب برشلونة حبا حقيقيا، ولن يتركه مهما كانت المغريات.
بالمناسبة ليس عيبا أن يبحث كل لاعب عن حقوقه ومستقبله، وليس عيبا أن يتعاقد ميسى مع أى فريق، خصوصا أن بقاءه فى الملاعب، قد لا يتجاوز عامين بعد أن بلغ عمره الآن ٣٤ عاما وهو سن كبير جدا مقارنة بمتوسط أعمار اللاعبين.
لكن العيب أن يتم الخلط بين الفلوس والولاء والحب، فى لحظة واحدة. ميسى خطف قلوب الجميع واحترامهم، وهو يتحدث فى المؤتمر الصحفى، الذى أعلن فيه رحيله عن برشلونة قبل أيام. بكى كثيرا مثل طفل متعلق بأمه، وهو شعور أظنه صادقا، لكن بعد ثلاثة أيام فقط كان فى مؤتمر صحفى آخر فى مقر باريس سان جيرمان بحديقة الأمراء ورأيناه وسمعناه يقول: «لا أطيق الانتظار حتى تطأ قدمى ملعب حديقة الأمراء، مع فريق سان جيرمان، وهدفنا هو القتال مع هذه الكتيبة الرائعة من اللاعبين على كل الألقاب».
ارتدى ميسى مع باريس خلال حفل تقديمه القميص رقم ٣٠، وهو نفس القميص الذى بدأ به مع برشلونة، حينما كان صغيرا، قبل أن يستحوذ على القميص رقم ١٠ ويصبح قائد الفريق.
عدد كبير من الجماهير الوفية لأنديتها لا تتصور أن يلعب بعض نجومها لدى فرق أخرى، ولذلك رأينا عددا من عشاق ميسى وبرشلونة، يبكون أمام مقر ناديهم فى هذه المدينة الكتالونية، غير مصدقين أن ميسى سيلعب لنادٍ آخر.
النقطة المهمة التى لم نعرف لها تفسيرا هى السبب الجوهرى لانتقال ميسى من برشلونة إلى باريس.
فى القصص المماثلة تكون الإغراءات المالية هى السبب، لكن هل ميسى فى حاجة إلى أموال؟!
المؤكد أن الإجابة هى لا لأنه يملك الملايين وربما المليارات، وبالتالى فلا يحق له القول إن انتقاله كان من أجل تأمين مستقبله، مثلما يقول بعض لاعبى الفرق العربية والإفريقية.
هل الانتقال لأندية أخرى لتحقيق بطولات؟! الإجابة أيضا أظنها هى لا، فإذا كان فريق برشلونة بكل نجومه لم يحقق لقب دورى أبطال أوروبا منذ حوالى ست سنوات فى حضور ميسى، فإن فريقه باريس سان جيرمان، وهو يملك أغلى وأهم اللاعبين فى العالم، فشل فى تحقيق اللقب طوال السنوات الماضية وأفضل ما حققه هو الوصول للمباراة النهائية فى هذا العام.
فى سنوات سابقة خلت كانت قيم الجمال والمتعة والموهبة والانتماء هى جوهر كرة القدم. الآن تغير الموقف إلى حد كبير، وصارت هناك قيم أخرى تتمحور بالأساس حول الثروات واللعب الآمن المريح، لكن الأخطر أننا صرنا بصدد مرحلة جديدة فى الاحتراف تشبه إلى حد كبير «الممارسات النيوليبرالية» فى الاقتصاد.
هذا موضوع يستحق أن نلقى عليه الضوء لاحقا، لأن دراما انتقال ميسى الأخيرة ومن قبله نيمار وعشرات النماذج الأخرى تقول بوضوح إن كرة القدم التى كنا نعرفها فى الماضى، اختلفت كثيرا وصار لدينا شىء آخر. صحيح أن هناك منافسات كبيرة، وصحيح أن هناك انتماءً بشكل مختلف، لكن دراما انتقال ميسى إلى الفريق الباريسى، الذى تملكه الحكومة القطرية، ومن قبله انتقال النجم البرازيلى الكبير نيمار إلى نفس الفريق فى 3 اغسطس 2017، تقول إننا بصدد مرحلة جديدة فى الاحتراف، وربما فى كرة القدم التى كنا نعرفها فى الماضى.