بقلم : عماد الدين حسين
فى قاعة كبيرة ممتلئة بالحاضرين، كان هناك مشهد فريد بأحد الفنادق القديمة والمميزة بالعين السخنة. مشايخ يجلسون بجوار القساوسة، وشباب الأئمة والواعظون يجلسون مع شباب القساوسة. وواعظات وداعيات مسلمات يجلسن بجوار مكرسات وخادمات مسيحيات.
هذا المشهد كان هو السمة الأساسية للمؤتمر، الذى نظمته الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية تحت عنوان «دور الدين فى دعم العيش المشترك»، يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين، وحضره عدد كبير من رجال الدين الإسلامى والمسيحى فى إطار منتدى حوار الثقافات بالهيئة الإنجيلية، وألقى الكلمة الافتتاحية فيه الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف.
حينما تلقيت دعوة لحضور المؤتمر من القس الدكتور أندريه زكى رئيس الهيئة الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، ورئيس الطائفة الإنجيلية، والمشاركة فى جلسة بعنوان «الدور الثقافى لدعم مجتمع الاعتدال»، ظننت أن الأمر لن يخرج عن مثل هذا النوع من المؤتمرات التقليدية، التى شهدناها كثيرا فى العقود الماضية، وفيها يعانق الشيخ القسيس أمام الكاميرات، ويتحدثان بلغة شديدة التقليدية عن وحدة عنصرى الأمة، وحينما ينتهى المؤتمر، لا يشعر بنتائجه أحد، إلا ربما بعض من الذين حضروه.
كل السمات التقليدية كانت موجودة فى الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر، لكن إضافة لذلك كانت هناك مشاهد وصور مهمة تستحق الإشادة حتى تتعزز وتترسخ وتتحول إلى ثقافة عامة يؤمن بها غالبية الناس وليس فقط قطاع من النخبة.
جرت العادة أن يكون الجزء الأكبر من الحضور فى مثل هذه المؤتمرات قاصرا على قيادات المسلمين والمسيحيين. لكن وإضافة إلى حضور بعض القيادات، فإن أفضل ما شهدته تمثل فى أن النسبة الكبرى من الحاضرين هم من شباب الأئمة والخطباء والواعظين المسلمين إضافة لنظراتهم فى الكنيسة، ومن كل المحافظات تقريبا.
وخلال الجلسة الافتتاحية تعرفت على عدد كبير منهم، أحدهم مثلا المشرف على الأئمة والواعظين فى بلدى بالقوصية بأسيوط، بالإضافة إلى شباب الواعظين.
ما هى أهمية وجود هذه النوعية من الناس فى مثل هذه المؤتمرات؟!
الأهمية كبيرة جدا، لأنهم هم الذين يتعاملون مع المواطنين العاديين فى المسجد والكنيسة. وبالتالى حينما يؤمن هؤلاء بقبول واحترام الآخر، فإنهم سيكونون صادقين، وهم ينقلون هذا الإيمان إلى مرتادى المساجد والكنائس. وكما قلت فى كلمتى فإننى أعتذر عن المدلولات والحمولات اللفظية والرمزية لكلمة «الآخر» لكن لا أجد بديلا عنها.
كان جيدا أن أرى واعظات مسلمات ومكرسات مسيحيات على مائدة واحدة، يتحدثن وكأنهن شقيقات وأخوات وأصدقاء. أقول ذلك لأنه فى المؤتمرات التقليدية يجلس كل فريق فى مكان منفصل سواء فى المؤتمر أو المطعم أو الأتوبيس، وبالتالى لا يتحقق الهدف الأسمى وهو التعارف الذى يقود إلى التعايش الذى يقود بدوره إلى التفهم وبعده العيش المشترك.
وفى المائدة التى كنا نجلس عليها فى الجلسة الافتتاحية، لفت نظر الجالسين، ومنهم الأنبا أرميا والمستشار عدلى حسين وأحمد مجاهد وأكرم القصاص، أن الواعظات والمكرسات يلتقطن الصور التذكارية معا وكذلك الأئمة والقساوسة.
الهيئة الإنجيلية تمارس العمل الأهلى وخصوصا التنموى منذ الخمسينيات، خصوصا فى القرى وتخدم ٣ ملايين بصورة مباشرة، ومثلهم وأكثر بصورة غير مباشرة، طبقا لما قالته سميرة لوقا فى تقديم المؤتمر، وسعدت كثيرا حينما قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، والذى كان المتحدث الرئيسى، إن القوافل المشتركة بين المسلمين والمسيحيين لمساعدة المحتاجين سوف تعود للعمل قريبا.
المؤتمر كان مهما خصوصا ما قاله رئيس الطائفة الإنجيلية القس أندريه زكى عن المسافة الواسعة بين النصوص وتفسيرها، أما مدير الجلسة الأولى محمود مسلم فقد طرح سؤالا مهما وهو: هل ثقافة العيش المشترك وصلت إلى الناس البسيطة أم أنها قاصرة فقط على النخبة؟! هذا هو السؤال الجوهرى الذى يفترض أن يشغل الجميع، حتى نقطع الطريق على المتربصين دائما بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين.