بقلم : عماد الدين حسين
«العيش المشترك» موجود بصورة أو بأخرى بين المسيحيين والمسلمين، منذ دخول الإسلام مصر، وسيظل موجودا إلى أن تقوم الساعة إن شاء الله. لكن لكى يستمر هذا العيش مشتركا وقويا وأخويا، فهو يحتاج إلى رعاية كاملة من الجميع، وإلا تعرض لعواصف وهبوب رياح عاتية من أكثر من اتجاه.
حضرت ظهر الثلاثاء الماضى المؤتمر الذى نظمته الهيئة الإنجيلية تحت عنوان: «دور الدين فى دعم العيش المشترك» وكان السؤال الذى شغلنى، وشغل العديد من الحاضرين هو: هل الكلام الطيب والأخوى الذى يقوله قادة الرأى وكبار المسئولين والمشايخ والقساوسة عن العيش المشترك مقصور على النخبة المثقفة أم أنه متجذر وراسخ لدى المجتمع والقاعدة العريضة منه؟
ظنى أن الأمر ما يزال نخبويا إلى حد كبير، رغم وجود شواهد كثيرة على تحسن المناخ العام مقارنة بما كان سائدا لفترة طويلة قبل ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
هو موضوع نخبوى لأنه لو كان متجذرا، ما انعقد مؤتمر تحت عنوان «العيش المشترك» من الأساس، لكن من المطئمن أن «العيش المشترك» بين المصريين عموما موجود منذ بدأت الحياة فى مصر. وحينما دخل الإسلام مصر، تعايش الأقباط مع الإسلام والمسلمين القادمين من الجزيرة العربية ، ثم اتسع نطاق التعايش ليشمل من ظل على المسيحية من الأقباط ومن دخل منهم الإسلام، ورغم وجود فتن كثيرة وخطيرة بين الحين والآخر، بين المسلمين والمسيحيين، فإن القاعدة العامة الغالبة كانت هى العيش المشترك بين الجميع، خصوصا المسلمين والمسيحيين، بل ومع اليهود قبل أن يهاجر معظمهم من مصر بعد زرع إسرائيل فى المنطقة بضغوط من الصهيونية العالمية.
وزير الأوقاف د. محمد مختار جمعة كان موفقا حينما بدأ كلمته بمقطع من قصيدة شهيرة لأحمد شوقى يقول فيها:
نعلى تعاليم المسيح لأجلهم
ويوقرون لأجلنا الإسلاما
الدين للديان جل جلاله
لو شاء ربك وحد الأقواما
هذى قبوركم وتلك قبورنا
متجاورين جماجما وعظاما
فبحرمة الموتى وواجب حقهم
عيشوا كما يقضى الجوار كراما
الوزير قال إن السمة الغالبة، هى عدم وجود تكتلات للمسلمين أو المسيحيين، بل الجميع شعب مندمج، والتحدى هو كيفية التحول من ثقافة التسامح لدى النخبة إلى أن تكون ثقافة شعبية. ومن المهم ترجمة اللقاءات الرسمية إلى بناء ثقافة حقيقية. وكشف جمعة عن جهود تبذلها وزارة الأوقاف لإعداد دعاة ووعاظ لا ينفذون فقط ثقافة التسامح، بل ينتجون هذا الفكر، وقال جمعة إنه سيتم عقد مؤتمر «عقد المواطنة» قريبا.
وقال الوزير: لا حديث حقيقيا عن التسامح فى بلدان فاشلة، كما أنه لا صحوة لأى أمة لا تنتج غذاءها ودواءها وسلاحها.
كلمة القس أندريه زكى ركزت على نقطة مهمة وهى ضرورة عدم إخراج النص الدينى عن سياقه، أو كما أسماها: «اختطاف النص» وأن الهيئة الإنجيلية عقدت مؤتمرا مهما كان عنوانه: «سماحة النص وجمود التفسير».
زكى قال إن النص مقدس، لكن قراءته وفهمه متغيران، حسب ثقافة وظروف وبيئة كل شخص أو مجتمع. ما قاله أندريه زكى يؤكد أن التطرف واحد سواء كان فى الإسلام أو المسيحية أو أى ديانة سماوية أو وضعية، وحينما تكون هناك تفسيرات مختلفة فإنها تخدم العيش المشترك.
إحدى المعقبات قالت إن الدين واحد، لكن هناك أشكالا متعددة ومتنوعة لمن يقوم بقراءته أو فهمه، وبالتالى فإن ما تغير ليس هو الدين بل أشكال التدين.
خلال التعقيب على كلمة الوزير جمعة والقس زكى، كانت هناك مداخلات قيمة من المستشار عدلى حسين عن ثقافة العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين على مر الزمان، ومداخلة مهمة من الدكتور طلعت عبدالقوى عن كيفية ترجمة هذا الكلام الطيب إلى ثقافة شعبية، ومداخلات لشباب الواعظين والواعظات والقساوسة وأهميتها تنبع من كونها تعبر عما يحدث على أرض الواقع، وليس فقط الكلام النظرى الجميل. إحدى هذه المداخلات ركزت على الأسرة كعامل محورى فى ترسيخ ثقافة «العيش المشترك».
وبالفعل الأسرة هى الحلقة الأهم، لو صلحت، فربما صلحت بقية السلسلة. معظم المفاهيم الصحيحة أو الخاصة تبدأ وتترسخ داخل الأسرة، مما يجعل الطفل ينمو متسامحا أو متزمتا.
نحتاج فى المستقبل إلى نماذج عملية على الأرض لترسيخ ثقافة التسامح والعيش المشترك مثل القوافل المشتركة بين ممثلى الأوقاف والكنيسة تطوف على الأحياء الشعبية والقرى وتقدم خدماتها المشتركة للجميع مسلمين ومسيحيين، وغيرها من المبادرات الفاعلة.