توقيت القاهرة المحلي 12:57:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل هناك استعمار جيد؟!

  مصر اليوم -

هل هناك استعمار جيد

بقلم : عماد الدين حسين

بعض الجهلاء والسذج فى البلدان العربية والذين لا يقرأون التاريخ، يرددون بحسن نية حينا وبغباء فى أحيان كثيرة، تمنياتهم بعودة الاستعمار للمنطقة، لأنه من وجهة نظرهم الضحلة، سيجعل حياتهم أفضل كثيرا مما هى عليه الآن فى ظل الحكم الوطنى.
إلى هؤلاء السذج أدعوهم إلى قراءة مغزى الانسحاب الأمريكى المتعجل من أفعانستان هذه الأيام، أو من فيتنام عام ١٩٧٥ أو الانسحاب الإسرائيلى اضطرارا من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠. أو أن يقرأوا تاريخ الاستعمار والاحتلال فى أى مكان وزمان، ليدركوا خطأ وخطيئة تصوراتهم، وأنه لا يوجد احتلال أو استعمار جيد بل سيئ فى كل الأحوال، والفارق فقط فى نوع القفازات والقيود، وهل هى حريرية أم حديدية، لكنها تظل فى النهاية قفازات وقيودا.
الولايات المتحدة تنسحب بسرعة شديدة هذه الأيام من أفغانستان، بعد احتلال مستمر منذ عام ٢٠٠١.
عشرون عاما من الاحتلال كانت حصيلتها أكثر من ثلاثة ملايين قتيل أفغانى، ما بين مدنى وعسكرى، مقابل ٢٤٠٠ قتيل أمريكى وخسائر أكثر من تريليون دولار، ناهيك عن الخسائر النفسية والاجتماعية والاقتصادية والتى لا تقدر بثمن وسيدفع ثمنها الأفغان لعشرات السنين.
أمريكا غزت أفغانستان فى ٧ أكتوبر ٢٠٠١ بعد أقل من شهر من تفجيرات ١١ سبتمبر فى الولايات المتحدة، والهدف المعلن وقتها القضاء على تنظيم القاعدة. وحكومة طالبان التى تدعمه، ثم تطور الهدف إلى إقامة حكم ديمقرطى فى أفغانستان، والنهوض بمستوى الحياة هناك.
والسؤال: ما هى النتيجة بعد عشرين عاما من الاحتلال؟!
لا شىء، بل إن الأوضاع فى أفغانستان صارت أسوأ من الحال الذى كانت عليه قبل عشرين عاما تحت حكم طالبان.
هل معنى ذلك أننى أروج لحكم طالبان؟!
الإجابة بالطبع هى: «لا» قاطعة، فهذا الحكم وتحالفه مع «القاعدة»، كان سببا جوهريا فى الكثير من الكوارث التى أدت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وهو الذى مكن كل أعداء العرب والمسلمين من تنفيذ مخططاتهم.
لكن رأينا فى طالبان والقاعدة شىء، والترويج للاحتلال الأمريكى شىء آخر تماما.
شىء من هذا القبيل أن بعض العرب يقول إن أوضاع الفلسطينيين أفضل كثيرا تحت الاحلال الإسرائيلى، مقارنة بحكم السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية أو حتى حركة حماس فى غزة. ورغم العديد من الملاحظات على السلطة وحماس وانقسامهما، إلا أنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نقارنهما بالاحتلال الإسرائيلى العنصرى والفاشى والهمجى لفلسطين.
الاحتلال ــ أى احتلال ــ يدخل المنطقة فيقتل ويدمر ويعطل ويسلب ويسرق الموارد وثروات الشعوب، وما فعلته أمريكا فى أفغانستان، وقبل ذلك فى فيتنام واضح وضوح الشمس.
السؤال الذى يفترض أن يسأله دعاة «الاستعمار الجيد» لأنفسهم هو: لماذا يؤيد غالبية الأفغان حركة طالبان، رغم كل تطرفها وظلاميتها ولا يؤيدون الحكومة المدعومة من الاحتلال الأمريكى رغم أنها تتحدث كثيرا عن الحرية والديمقراطية والمدنية والحداثة؟!
الإجابة ببساطة أن النفس السوية ترفض الاستعمار وأعوانه مهما كانت الشعارات براقة، لأن الاحتلال يظل احتلالا رغم كل كلماته المعسولة.
بل حتى من مفهوم أخلاقى يهرب الاحتلال الأمريكى بسرعة، تاركا خلفه معظم من تعاونوا معه أو ساعدوه، باستثناءات قليلة وهو الأمر الذى تكرر كثيرا مع الاحتلال الإسرائيلى للجنوب اللبنانى، أو الأمريكى لفيتنام.
وعلينا أن نتذكر نتائج الاحتلال الأمريكى للعراق عام ٢٠٠٣، وادعاءاته بأنه سيؤسس لدولة مدنية ديمقراطية، لكنه أعاد العراق عقودا إلى الوراء، وقدمها هدية على طبق من ذهب للقوى المتطرفة والطائفية، وهو ما تحاول الحكومات الحالية إصلاحه.
مرة أخرى: هل يعنى رفض الاحتلال أننا ندافع عن صدام حسين الذى كان بسياساته سببا فى هذا الاحتلال، أو نظام طالبان، أو حركة حماس؟
الإجابة مرة أخرى هى: «لا»، ثم «لا»، ثم «لا».
لكن لا يعنى رفضنا لهذه الأنظمة المتسلطة والمستبدة وغير الديمقراطية، أن نؤيد الاستعمار الذى استغل وجود هذه الأنظمة ليحقق أهدافه فى سرقة ثروات هذه الأوطان.
الاحتلال هو الاحتلال، هو سيئ دائما وينبغى مقاومته ودحره، وبعدها تكون الخطوة المهمة وهى معالجة الأوضاع والظروف التى أدت إلى وجوده، وإذا لم يحدث ذلك، فسوف يعود هذا الاستعمار بصورة أخرى بعد فترة من الزمن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هناك استعمار جيد هل هناك استعمار جيد



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:43 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

ياسمين صبري تزداد أناقة بإطلالات فخمة وراقية

GMT 21:09 2021 الجمعة ,23 إبريل / نيسان

"وحيد القرن" أصغر ثقب أسود قريب من الأرض

GMT 19:35 2021 الثلاثاء ,23 آذار/ مارس

بورصة بيروت تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 05:47 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

تعرف على رسالة ياسر فرج الأخيرة لزوجته قبل وفاتها

GMT 15:13 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أتلتيكو مدريد يصنع التاريخ بالأرقام في الدوري الإسباني

GMT 21:10 2020 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ أفضل فريق في 2020 ضمن جوائز "غلوب سوكر"

GMT 13:03 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

طبيب يكشف عن والد طفل عروس بنها في حال حملها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon