توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل هناك استعمار جيد؟!

  مصر اليوم -

هل هناك استعمار جيد

بقلم : عماد الدين حسين

بعض الجهلاء والسذج فى البلدان العربية والذين لا يقرأون التاريخ، يرددون بحسن نية حينا وبغباء فى أحيان كثيرة، تمنياتهم بعودة الاستعمار للمنطقة، لأنه من وجهة نظرهم الضحلة، سيجعل حياتهم أفضل كثيرا مما هى عليه الآن فى ظل الحكم الوطنى.
إلى هؤلاء السذج أدعوهم إلى قراءة مغزى الانسحاب الأمريكى المتعجل من أفعانستان هذه الأيام، أو من فيتنام عام ١٩٧٥ أو الانسحاب الإسرائيلى اضطرارا من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠. أو أن يقرأوا تاريخ الاستعمار والاحتلال فى أى مكان وزمان، ليدركوا خطأ وخطيئة تصوراتهم، وأنه لا يوجد احتلال أو استعمار جيد بل سيئ فى كل الأحوال، والفارق فقط فى نوع القفازات والقيود، وهل هى حريرية أم حديدية، لكنها تظل فى النهاية قفازات وقيودا.
الولايات المتحدة تنسحب بسرعة شديدة هذه الأيام من أفغانستان، بعد احتلال مستمر منذ عام ٢٠٠١.
عشرون عاما من الاحتلال كانت حصيلتها أكثر من ثلاثة ملايين قتيل أفغانى، ما بين مدنى وعسكرى، مقابل ٢٤٠٠ قتيل أمريكى وخسائر أكثر من تريليون دولار، ناهيك عن الخسائر النفسية والاجتماعية والاقتصادية والتى لا تقدر بثمن وسيدفع ثمنها الأفغان لعشرات السنين.
أمريكا غزت أفغانستان فى ٧ أكتوبر ٢٠٠١ بعد أقل من شهر من تفجيرات ١١ سبتمبر فى الولايات المتحدة، والهدف المعلن وقتها القضاء على تنظيم القاعدة. وحكومة طالبان التى تدعمه، ثم تطور الهدف إلى إقامة حكم ديمقرطى فى أفغانستان، والنهوض بمستوى الحياة هناك.
والسؤال: ما هى النتيجة بعد عشرين عاما من الاحتلال؟!
لا شىء، بل إن الأوضاع فى أفغانستان صارت أسوأ من الحال الذى كانت عليه قبل عشرين عاما تحت حكم طالبان.
هل معنى ذلك أننى أروج لحكم طالبان؟!
الإجابة بالطبع هى: «لا» قاطعة، فهذا الحكم وتحالفه مع «القاعدة»، كان سببا جوهريا فى الكثير من الكوارث التى أدت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وهو الذى مكن كل أعداء العرب والمسلمين من تنفيذ مخططاتهم.
لكن رأينا فى طالبان والقاعدة شىء، والترويج للاحتلال الأمريكى شىء آخر تماما.
شىء من هذا القبيل أن بعض العرب يقول إن أوضاع الفلسطينيين أفضل كثيرا تحت الاحلال الإسرائيلى، مقارنة بحكم السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية أو حتى حركة حماس فى غزة. ورغم العديد من الملاحظات على السلطة وحماس وانقسامهما، إلا أنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نقارنهما بالاحتلال الإسرائيلى العنصرى والفاشى والهمجى لفلسطين.
الاحتلال ــ أى احتلال ــ يدخل المنطقة فيقتل ويدمر ويعطل ويسلب ويسرق الموارد وثروات الشعوب، وما فعلته أمريكا فى أفغانستان، وقبل ذلك فى فيتنام واضح وضوح الشمس.
السؤال الذى يفترض أن يسأله دعاة «الاستعمار الجيد» لأنفسهم هو: لماذا يؤيد غالبية الأفغان حركة طالبان، رغم كل تطرفها وظلاميتها ولا يؤيدون الحكومة المدعومة من الاحتلال الأمريكى رغم أنها تتحدث كثيرا عن الحرية والديمقراطية والمدنية والحداثة؟!
الإجابة ببساطة أن النفس السوية ترفض الاستعمار وأعوانه مهما كانت الشعارات براقة، لأن الاحتلال يظل احتلالا رغم كل كلماته المعسولة.
بل حتى من مفهوم أخلاقى يهرب الاحتلال الأمريكى بسرعة، تاركا خلفه معظم من تعاونوا معه أو ساعدوه، باستثناءات قليلة وهو الأمر الذى تكرر كثيرا مع الاحتلال الإسرائيلى للجنوب اللبنانى، أو الأمريكى لفيتنام.
وعلينا أن نتذكر نتائج الاحتلال الأمريكى للعراق عام ٢٠٠٣، وادعاءاته بأنه سيؤسس لدولة مدنية ديمقراطية، لكنه أعاد العراق عقودا إلى الوراء، وقدمها هدية على طبق من ذهب للقوى المتطرفة والطائفية، وهو ما تحاول الحكومات الحالية إصلاحه.
مرة أخرى: هل يعنى رفض الاحتلال أننا ندافع عن صدام حسين الذى كان بسياساته سببا فى هذا الاحتلال، أو نظام طالبان، أو حركة حماس؟
الإجابة مرة أخرى هى: «لا»، ثم «لا»، ثم «لا».
لكن لا يعنى رفضنا لهذه الأنظمة المتسلطة والمستبدة وغير الديمقراطية، أن نؤيد الاستعمار الذى استغل وجود هذه الأنظمة ليحقق أهدافه فى سرقة ثروات هذه الأوطان.
الاحتلال هو الاحتلال، هو سيئ دائما وينبغى مقاومته ودحره، وبعدها تكون الخطوة المهمة وهى معالجة الأوضاع والظروف التى أدت إلى وجوده، وإذا لم يحدث ذلك، فسوف يعود هذا الاستعمار بصورة أخرى بعد فترة من الزمن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هناك استعمار جيد هل هناك استعمار جيد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon