بقلم : عماد الدين حسين
أخيرا عادت نتيجة امتحانات شهادة الثانوية العامة لتعكس الفروق بين الطلاب من حيث مستويات الفهم والذكاء والنبوغ والثقافة العامة.
وللموضوعية فإن الفضل الأول فى هذا التطور المهم للدكتور طارق شوقى وزير التعليم، الذى يتحدث فى هذا الموضوع منذ سنوات طويلة، حينما كان رئيسا للمجلس التخصصى فى التعليم، ثم رئيسا للمجالس التخصصية كلها، وأخيرا كوزير للتعليم.
قابلت الدكتور طارق شوقى وتناقشنا عشرات المرات سواء بصورة ثنائية أو ضمن زملاء وأصدقاء صحفيين فى لقاءات عامة وخاصة، وفى كل مرة كان يتحدث عن إعادة مجاميع الثانوية العامة إلى مستوياتها الطبيعية لتعكس الفروق الفعلية بين الطلاب.
لم يكن منطقيا أن يحصل طالب أو طالبة على ١٠٣٪ «بعد إضافة درجات المستوى الخاص»، فى حين أن كل مهاراته هى الحفظ، من دون أن يعرف أى شى خارج الكلام المحفوظ من كتاب المدرسة أو الكتاب الخارجى. الأسلوب القديم لم يكن مهتما بتكوين الطالب ليكون قارئا ومثقفا إلى حد ما، حتى يستحق هذه الدرجة غير الموجودة إلا فى مصر تقريبا.
السؤال: كيف انخفضت نسبة النجاح فى الثانوية العامة، هذا العام إلى ٧٤٪، وكيف انخفضت المجاميع بنسبة تصل إلى ١٠٪ تقريبا مقارنة بالعام الماضى؟
مرة أخرى الفضل للدكتور طارق شوقى بتغيير نظام الأسئلة ليعكس مستويات الفهم والتطوير والتحليل للطلاب.
الذى حدث هو إعادة توزيع الدرجات على الأسئلة الجديدة، بحيث تكون هناك درجات للأسئلة غير التقليدية، مما جعلنا نستطيع اكتشاف الفرق بين كل المستويات، بدلا من الأسئلة شديدة التقليدية التى تعطى ميزة عليا للحفظ والتلقين فقط، وهو بالمناسبة أمر مهم، لكنه لا ينبغى أن يكون العامل الوحيد، بل يصاحبه القدرة على الفهم والربط والتحليل والتركيب، وبالتالى صار هناك تمييز للطالب المتفوق بدلا من النظام السابق الذى كان يضع الجميع أى الطالب المتفوق، والطالب العادى جدا فى سلة واحدة.
طريقة الأسئلة الجديدة، بعضها لم يكن من المنهج بصورة آلية كما كان يحدث فى السنوات الماضية، بل صار يعتمد على المزيد من القراءة والمطالعة فى أماكن أخرى غير الكتاب المدرسى سواء منصات إلكترونية، أو أى مصادر موثوقة للمعرفة. وربما يفسر لنا ذلك أن بعض الطلاب العاديين كانوا يبكون كثيرا عقب الامتحانات لأنهم تعودوا على نمط تقليدى هو الحفظ فقط، فى حين أن أى امتحان طبيعى لابد أن يتضمن أسئلة سهلة ومتوسطة وصعبة حتى نكتشف النوابغ فيفيدوا المجتمع فى البحث العلمى وسائر المجالات.
إحدى نتائج التوزيع الجديد للأسئلة واعتماد الطريقة الإلكترونية فى التصحيح ورصد الدرجات جعل المجاميع تعود تقريبا إلى المتوسطات الطبيعية، وجعلنا مرة أخرى نتذكر أن المستوى الحقيقى لشريحة مهمة من الناجحين تدور حول ٦٠٪ إلى 80%، بعد أن كان مجموع ٩٥٪ عاديا جدا، لكنه لا يؤهل صاحبه للالتحاق بالكلية التى يرغبها.
حينما أعلن الدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم العالى والبحث العلمى يوم الثلاثاء الماضى أن الحد الأدنى للقبول بالمرحلة الأولى سيكون ٨٨٪ للعلمى علوم، و٨٠٪ لعلمى رياضة، و٦٥٫٧٪ للأدبى، تذكرت حينما كنت فى الثانوية العامة فى صيف ١٩٨٢. يومها حصلت على ٨٢٪ أدبى وكنت الأول على كل مركز القوصية، والرابع على مستوى محافظة أسيوط، وأتاح لى هذا المجموع الالتحاق بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وكانت الكلية الوحدة للإعلام فى مصر وعدد دفعتنا لم يكن يزيد عن ٣٠٠ طالب على ما أتذكر.
من الممكن أن نتفق أن نختلف مع رؤية الدكتور طارق شوقى بشأن الثانوية العامة، لكن أظن أن حتى المختلفين معه سوف يكتشفون بعد سنوات قليلة أنه كان مصيبا جدا فى نقطة العودة بالمجاميع إلى مستوياتها الطبيعية لتقيس الفروق بين الطلاب.
ما حدث هو تطور مهم، لكن عليه ألا ينسينا أن المشوار للنهوض بالتعليم لا يزال طويلا وشاقا ويحتاج تضافر كل الجهود والإمكانيات والموارد، من أول ضرورة توافر فصول حقيقية ومعلمين مؤهلين، ويتلقون ما يستحقون من أجور، نهاية بمناهج متطورة تؤهل خريجين يلبون حاجة سوق العمل الحقيقية، ولا يكونوا رقما جديدا فى طابور العاطلين.
مبروك لكل الناجحين، وحظ أفضل للراسبين، وعلى أولياء الأمور أن يبدأوا فى تأهيل وتجهيز أولادهم، للنظام الجديد فى السنوات المقبلة.