توقيت القاهرة المحلي 20:22:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مطار كابول.. وصورة أمريكا

  مصر اليوم -

مطار كابول وصورة أمريكا

بقلم : عماد الدين حسين

مشهد تدافع آلاف المواطنين الأفغان لركوب أى طائرة فى مطار كابول والهروب من أفغانسان بأى صورة، حتى لو كان ثمنها الموت، هو أبلغ تعبير عن الخوف من حكم حركة طالبان، لكنها أيضا دليل دامغ على فشل المغامرة الأمريكية فى هذه البلاد، وبرهان جديد على أن زراعة الديمقراطية، بالقوة الجبرية نهايتها الفشل الذريع.
لو أن صور التدافع فى مطار حامة كرازى الدولى فى كابول جاءت فى فيلم سينمائى، لاعتبرها الجميع مجرد خيال مبالغ فيه فى فيلم إثارة أمريكى، لكن حينما شاهدنا هذه الصور بالفعل اكتشفنا أن الواقع يكون أكثر خيالا من الخيال نفسه.
شاهدنا مواطنين أفغان، وبعد أن عجزوا عن الركوب داخل الطائرة، يركبون فوق المحركات والعجلات وأى بروز فى جسم الطائرة، وشاهدنا طائرة تتحرك بالفعل وبعض الركاب يحاولون التعلق بها بأى طريقة، وحينما وصلت إحدى هذه الطائرات إلى الدوحة، تم العثور على بقايا بشرية حول إطاراتها.
كما تم اكتشاف أن أحد لاعبى منتخب الشباب الأفغانى ويدعى زكى نورى وعمره ١٩ عاما، قد لقى مصرعه خلال محاولته الاختباء داخل إحدى الطائرات التى انطلقت من مطار كابول.
مشاهد الذعر والخوف والرعب التى سيطرت على القوات الأمريكية والغربية المنسحبة ومعهم آلاف الأفغان خصوصا «المتعاونين»، أو الخائفين من حكم طالبان، هى دليل لا يقبل الدحض على النهاية المأساوية للاحتلال الأمريكى لأفغانستان، المستمر منذ أكتوبر ٢٠٠١، وهى أيضا أسوأ دعاية ضد حركة طالبان وخوف جزء من مواطنيها منها.
هذه المشاهد تذكرنا بما حدث لقوات الاحتلال الأمريكى لفيتنام، ومشاهد انسحابها المخزى فى عام ١٩٧٥، بفعل المقاومة الفيتنامية المتميزة ضد الاحتلال الأمريكى.
أظن أن الولايات المتحدة وبعد ما حدث فى أفغانستان خلال الأيام الأخيرة، سوف تتوقف مؤقتا عن التدخل الفج والصارخ فى أى دولة، لكنها ستحاول التدخل بطرق أخرى، وربما تستفيد من التجارب البريطانية السابقة فى كيفية التدخل بأقل الأضرار.
وعلى حد التعبير الماركسى الشائع فإن التاريخ حينما يكرر نفسه، فإن المرة الأولى تكون مأساة، وفى المرتبة الثانية تكون ملهاة!
كان كثيرون يعتقدون أن الولايات المتحدة، وبعد الدرس القاسى الذى تعرضت له فى فيتنام، لن تكرر هذه التجربة مرة أخرى، لكنها فعلتها فى أفغانستان عام ٢٠٠١، ثم كررتها فى العراق بعدها بعامين فقط ٢٠٠٣، وفى المرات الثلاث كان الدرس قاسيا، والهزيمة ساحقة ماحقة ومذلة، رغم التدمير والخراب والثمن الفادح جدا الذى دفعته البلدان الثلاثة المحتلة، وما تزال العراق تدفعه، وستظل أفغانستان تدفعه لسنوات، فى حين أن فيتنام استطاعت التعافى بل صارت نموذجا للتطور والتنمية الاقتصادية المتميزة.
طالبان حركة متطرفة ومتزمتة، وتعادى التطور والحداثة ومنغلقة على نفسها، ولذلك حينما تنتصر على كل القوات الأمريكية والأفغانية والأطلسية، فالمعنى الوحيد لذلك، أن الاحتلال الأمريكى لمدة عشرين عاما، فشل فى فهم التركيبة الأفغانية بكل تعقيداتها، التى صارت معروفة للجميع.
الرئيس الأمريكى جو بايدن يحاول بشتى الطرق إقناع شعبه والعالم بأنه اتخذ القرار الصحيح بالانسحاب، وأن الأفغان هم الذين كانوا يفترض أن يدافعوا عن بلادهم، وبغض النظر عن لماذا وصلت الأمور إلى هذه النهاية، فإن المعنى الرئيسى أنه يستحيل زرع الديمقراطية بالقوة أو بالأسلحة الحديثة وقد رأينا حركة كل عناصرها قادمة من عصور سحيقة، تهزم أكبر قوة عسكرية وشاملة فى العالم.
أظن أن التأثيرات الكاملة للسقوط الأمريكى فى أفغانستان لم نرها بعد، لكنها ستظهر تباعا، وقد تدفع المنطقة العربية جزءا كبيرا من هذا الثمن، نتيجة الانكفاء الأمريكى المتوقع، أو ربما يكون الانسحاب مقدمة لتوتير الحدود الأفغانية مع كل من الصين وروسيا، وتهديد طريق الحرير الصينى عبر طالبان وأخواتها.
فى كل الأحوال وبغض النظر عن التطورات المقبلة، فإن صورة أمريكا اهتزت كثيرا، خصوصا فى مشاهد الطائرات فى مطار كابول.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مطار كابول وصورة أمريكا مطار كابول وصورة أمريكا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
  مصر اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 20:12 2024 الخميس ,15 آب / أغسطس

عمر كمال يوجه رسالة مؤثرة لأحمد رفعت

GMT 10:00 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

إصبع ذكي يعيد حاسة اللمس للاصابع المبتورة

GMT 23:53 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مصمم مغربي يطرح تشكيلة راقية من القفطان الربيعي لموسم 2016

GMT 05:09 2015 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

توثيق ازدهار ونهاية مؤسس "داعش" أبو مصعب الزرقاوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon