بقلم - عماد الدين حسين
إسرائيل الكاسب الأكبر فى المنطقة من كل الأحداث والتطورات ليس فقط فى منطقتنا العربية وفى الإقليم بل وأحيانا فى العالم. فهل هناك تفسير علمى ومنطقى لهذه الظاهرة الفريدة فى عالم السياسة؟
أطرح هذا السؤال بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن لإسرائيل يومى الخميس والجمعة الماضيين.
لمن نسى فإن بايدن وحينما كان مرشحا للرئاسة أمام الرئيس السابق دونالد ترامب لم يؤيد قرار الأخير بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وعارض إلغاء حل الدولتين، وعارض وقف تمويل الأونروا، ولم يكن يود رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق بنيامين «نتنياهو» وتردد فى الاتصال به كثيرا بعد توليه الرئاسة، لكن وبعد أكثر من عام ونصف فى البيت الأبيض، لم ينفذ أى وعد من وعوده الأساسية بالنسبة لفلسطين، وأبقى على السفارة كما هى فى القدس، ولم يعارض الاستيطان، أو سياسة القتل الإسرائيلية الممنهجة ضد الفلسطينيين، ولم يتخذ حتى أى إجراء ليعيد إسرائيل لمائدة التفاوض ناهيك عن تطبيق حل الدولتين. لماذا يفعل بايدن ذلك؟! الإجابة عرفناها قبل أن يصل إلى إسرائيل بأربعة أيام حينما ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلى يائير لابيد الجميع بمقولة شهيرة لبايدن حينما كان نائبا للرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما تقول: إذا كنت يهوديا فسأكون صهيونيا، والدى أشار إلى أنه لا يشترط بى أن أكون يهوديا لأصبح صهيونيا وهذا أنا.. إسرائيل تعتبر ضرورية لأمن اليهود حول العالم».
هذا ما قاله بايدن حينما كان نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما، ولابيد أضاف أنه أحد أقرب الأصدقاء الذين عرفتهم إسرائيل على الإطلاق.
كنا نعتقد أن دونالد ترامب هو الأكثر فجورا بين كل الرؤساء الأمريكيين فى دعم ومساندة إسرائيل بلا حساب، لكن بايدن وبمجرد وصوله إلى القدس المحتلة راح يتفاخر بأنه الداعم الأكبر لها بل وقّع مع قادتها تعهدا مشتركا لمنع حصول إيران على السلاح النووى، والأخطر أنه وافق على ما يسمى «حل الملاذ الأخير» أى اللجوء للقوة ضد إيران إذا فشلت كل المساعى الدبلوماسية فى منعها من الحصول على الأسلحة النووية. وهناك نص فى الاتفاقية الأمريكية الإسرائيلية يتضمن تعهدا بذلك كاستخدام جميع الوسائل المتاحة بحوزتها لضمان ذلك.
وبجانب تهدئة مخاوف إسرائيل بشأن إيران فإن بايدن تعهد بتوسيع دائرة التطبيع بين العرب وإسرائيل، وكذلك أهمية منتدى النقب وتعزيز التعاون فى إطار الهيكلة الإقليمية ودمج إسرائيل فى المنطقة، وقد حصل على المكسب الأول بالفعل حينما وافقت السعودية صباح أمس على فتح أجوائها أمام الطائرات الإسرائيلية للمرة الأولى.
وسيسعى بايدن بطبيعة الحال لمزيد من دمج إسرائيل فى المنطقة خصوصا فى نقطتين الأولى علاقتها بالسعودية، والثانية السعى لإنشاء ناتو عربى بمشاركة إسرائيلية يكون هدفه الأساسى مواجهة إسرائيل، لكن من الواضح أن هناك معارضة مصرية لهذه الخطوة، وتحفظا سعوديا حتى تشهد القضية الفلسطينية خلخلة ولو جزئية.
فى المقابل فإن بايدن ومن باب العلاقات العامة زار مدينة بيت لحم المحتلة والتقى الرئيس الفلسطينى محمود عباس، لكنها زيارة قصيرة جدا وفى مجملها سياحية وليست سياسية، ولم يقدم للفلسطينيين أى جديد.
منذ عقود طويلة وإسرائيل هى المستفيد من كل الأحداث الدولية والإقليمية سواء كان ساكن البيت الأبيض جمهوريا أو ديمقراطيا. الإسرائيليون ماهرون فى التأثير على كل الرؤساء الأمريكيين، وعلى غالبية أعضاء الكونجرس من الحزبين والميديا ومراكز الأبحاث وهو الأمر الذى يتكرر أيضا فى العديد من البلدان الأوروبية خصوصا المؤثرة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا، بل وشهدنا قيام دول فى أوروبا الشرقية بنقل سفاراتها للقدس المحتلة. هم الفائزون حتى وهم فى أضعف حالاتهم السياسية وانقسامهم وإجرائهم ٥ انتخابات للكنيست فى ٤ سنوات.
السؤال: هل نلوم أمريكا، أم نلوم إسرائيل على كل ما سبق، أم نلوم أنفسنا أننا بضعفنا وانقسامنا كعرب وفلسطينيين، كنا السبب الرئيسى الذى دفع بعض العرب للرهان على إسرائيل نفسها، بل واستخدامها كوسيط مع أمريكا؟!
الواقع مرير ولا يمكن أن نخرج منه إلا حينما نعترف بأننا مرضى ولابد أن نتناول العلاج المر.