رحم الله الزميل والصديق والإعلامى الكبير وائل الإبراشى، الذى رحل عن دنيانا قبل أيام بعد معاناة طويلة مع فيروس كورونا.
أعرف وائل الإبراشى من التسعينيات. كنت أنا أعمل فى صحيفة «العربى الناصرى» بالقرب من مكان عمله، وفى مجلة «روزاليوسف»، بالقصر العينى. وكان أحد النجوم الشباب فى الكتيبة التى قادها الكاتب الصحفى الكبير عادل حمودة، صاحب التجربة المتميزة وفى وقت عاشت فيه الصحافة المصرية فترة ذهبية من التنوع والإبداع وحرية الرأى. وغالبية الزملاء الذين عملوا فى روزا أو العربى أو الصحف الحزبية فى هذا التوقيت صاروا نجوما لامعة فى سماء الصحافة والإعلام المصرى.
أتذكر جيدا أننا انضممنا إلى نقابة الصحفيين أنا وهو فى لجنة واحدة عام ١٩٩٤ مع مجموعة كبيرة من الزملاء الذين تأخروا كثيرا فى الانضمام للنقابة لعوامل غريبة وعجيبة، ويومها كان فرحنا كبيرا.
كان وائل متميزا فى تحقيقاته الصحفية الجريئة، التى تفجّر قضايا ساخنة فى مجالات كثيرة من أول الفن إلى السياسة مرورا بالحياة الاجتماعية.
كان وائل من أنصار مدرسة الإثارة الصحفية، وكانت له تجربة مهمة فى صحيفة «صوت الأمة»، وتجربة لم تكتمل مع صحيفة «الصباح» مع الراحل أحمد بهجت. وحتى عندما هجر الصحافة المكتوبة، فإن أسلوبه فى العمل ظل مستمرا خصوصا فى برنامج «الحقيقة» على قناة «دريم»، وفجّر خلاله العديد من القضايا الاجتماعية الساخنة، واشتبك مع قوى التطرف والعنف والخرافة فى أكثر من مرة.
شخصيا لست من محبى مدرسة الإثارة فى المهنة عموما، لكن أشهد أن وائل تمكن من الوصول إلى عدد كبير من الجماهير التى عجز كثير من الإعلاميين عن الوصول إليها.
فى العديد من الاحتفالات والمناسبات والأحداث التى جمعتنا خصوصا فى الشارع أو خارج مصر، كنت أرى العديد من البسطاء المصريين يلتفون حوله ويحبونه ويطلبون التقاط الصور الفوتوغرافية معه.
مرت الأيام، وانتقل وائل إلى برنامج «العاشرة مساء» على قناة دريم فى عز مجدها ليحل محل الإعلامية الكبيرة منى الشاذلى، فى أهم برنامج تليفزيونى مصرى طوال سنوات، كان كثيرون يخشون من عدم قدرة وائل على مواصلة نجاح البرنامج، لكنه حقق نجاحا مماثلا، واستمر البرنامج مهما ومؤثرا قبل أن ينتهى البرنامج والقناة معا.
ذات يوم وأثناء اقتحام قوات الأمن لنقابة الصحفيين عام ٢٠١٦ كنت ضيفا على برنامج وائل مع ضيوف كثيرين منهم اللواء فاروق المقرحى واستمر البرنامج يومها من العاشرة حتى أذان الفجر، وما يزال البعض يتذكر هذه الحلقة نظرا لسخونتها وتنوع الآراء فيها بين مؤيد ومعارض، أو صاحب وجهة نظر ثالثة. كنت يومها من المعارضين للاقتحام، وأتذكر أن وائل ورغم محاولاته أن يكون محايدا كمدير للحوار، إلا أنه لم يكن يخفى انحيازه لمهنته حتى مع اختلافه مع بعض الزملاء الصحفيين.
تواصلت مع وائل كثيرا، خلال رحلة مرضه، وقد رأيته مرة واحدة على مائدة سحور فى رمضان الماضى. كانت آثار المرض واضحة عليه تماما، جاء فى سيارة إسعاف وغادر فيها، وحينما نزل منها كان هناك من يسير خلفه حاملا أنبوبة أكسجين، كان يحاول جاهدا الحديث والكلام والمشاركة، لأنه لم يتعود مطلقا الصمت، لكن نقص الأكسجين كان واضحا.
فرحنا أكثر من مرة، حينما كان يخبرنا أنه سيعود قريبا. وقبل حوالى ثلاثة أشهر سافرت للصعيد، وقال لى والدى رحمه الله «أريد الاطمئنان على صحة وائل»، اتصلت بوائل وأخبرته وتحدث مع والدى مطولا وقبل أن يرحل أبى بأيام سألنى أيضا عنه، فقلت له ادع له.
كانت هناك أخبار كثيرة متواترة وغير صحيحة تماما عن وفاته، وفى كل مرة كنت أحرص على الاتصال به، لكن بعدها بيوم أو اثنين، حتى لا يربط بين الاتصال وهذه الأخبار الحقيرة.
لا أفهم كيف يكتب صحفى خبر وفاة شخص من دون أن يتأكد تماما، ولا أدرى كيف يمكن أن يكون هناك من يشمت فى الموت؟!!
رحم الله وائل الإبراشى وأسكنه فسيح جناته وخالص العزاء لأهله وزملائه ومحبيه.