بقلم: عماد الدين حسين
أرجو وأتمنى من الأجهزة الحكومية المختلفة أن تقرأ بعناية تقرير «التنمية المستدامة فى مصر» الذى أطلقته جامعة الدول العربية مع وزارة التخطيط يوم الأحد الماضى وأعده ٢٤ خبيرا وباحثا بإشراف الدكتور محمود محيى الدين. التمنى يعود إلى أن التقرير يحفل بأرقام وبيانات ورؤى مهمة ليس فقط عن واقعنا، ولكن مقارنته بنماذج مختلفة من الاقتصادات الدولية، مما يجعلنا نتبين ظروفنا وأحوالنا ومشاكلنا وأزماتنا بوضوح، وبالتالى التعرف على إمكانية حلها أو الحد من آثارها السلبية.
هناك فصل مهم فى هذا التقرير أعدته الدكتورة رشا رمضان عنوانه «حالة أهداف التنمية المستدامة فى مصر» مع التركيز على أبعاد الفقر وعدم المساواة.
الباحثة تتحدث فى هذا الفصل عن ستة محاور أساسية، أولا الأهداف العامة للتنمية المستدامة مقسمة موضوعيا، وثانيا القضاء على الفقر المدقع والحد من عدم المساواة، وثالثا أهمية وجود نظام حماية اجتماعية مرن وشامل للكافة، ورابعا سؤال عنوانه: «ما الذى يتطلبه تحقيق أهداف التنمية المستدامة»، وخامسا العوامل المساعدة لتمويل التنمية وأخيرا التغير المناخى واستضافة مصر لقمة المناخ فى نوفمبر المقبل.
ومن واقع بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة عام ٢٠٢١، هناك جدول بيانى يقول إن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع بلغوا ٢٦٫٣٪ ما بين عامى ٢٠١٢ ــ ٢٠١٣، وارتفعت هذه النسبة إلى ٢٧٫٨٪ فى ٢٠١٤ ــ ٢٠١٥، ثم قفزت أكثر إلى ٣٢٫٥٪ فى ٢٠١٧ ــ ٢٠١٨، لكنها تراجعت إلى ٢٩٫٧٪ فى ٢٠١٩ ــ ٢٠٢٠.
وقد يسأل البعض، وما هو تعريف الفقر المدقع؟
والإجابة هى أن خط الفقر المدقع معرف عالميا بأنه نسبة الأفراد الذين يعيشون على أقل من ١٫٩ دولار فى اليوم.
ومن البيانات المهمة أيضا أن معدل مشاركة الذكور فى قوة العمل بلغت ٧٣٫٣٪ عام ٢٠١٥، ثم ٧٢٫٦٪ ٢٠١٦، ثم ٧٠٫٩٪ عام ٢٠١٧، ثم ٧١٫٣٪ عام ٢٠١٨ وأخيرا ٧١٫٢٪ عام ٢٠١٩، ومن الواضح أن نسبة مشاركة الإناث بدأت تتزايد نسبيا فى هذه السنوات الأخيرة.
بيان آخر يقول إن معدل نمو الدخل زاد فى الحضر بنسبة ١٦٪ من ١٧ ــ ١٨ إلى ١٩ــ٢٠ مقابل ١٣٪ فى الريف، فى حين زاد معدل نمو الإنفاق بنسبة ١٩٪ فى الحضر مقابل ١٢٪ فى الريف، فى نفس الفترة، والدلالة المعروفة أن النمو والإنفاق يزيدان فى الحضر أكثر من الريف وقد يفسر لنا ذلك أحد أسباب الهجرة من الريف للحضر، خصوصا القاهرة الكبرى.
من أهم البيانات الموجودة فى التقرير، ومصدرها أرقام الموازنة الصادرة عن وزارة المالية، هو انخفاض الإنفاق على الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية نسبة إلى إجمالى الإنفاق الحكومى.
من ٢٠٠٩ حتى ٢٠١١ كانت هذه النسبة ٣٠٫٦٪ ثم ارتفعت إلى ٣٣٫٥٪ بين أعوام ٢٠١١ إلى ٢٠١٣ ثم انخفضت إلى ٢٧٫١٪ حتى عام ٢٠١٥ ثم إلى ٢٦٫٨٪ حتى عام ٢٠١٨ ثم إلى ٢١٪ حتى عام ٢٠١٩ وأخيرا إلى ١٩٫١٪ حتى عام ٢٠٢١.
لكن وحتى لا نظلم الحكومة فإنه يصعب ترك هذه الأرقام من دون قراءة وتمعن. السبب الجوهرى فى هذا الانخفاض هو برنامج ترشيد وهيلكة الدعم فى إطار برامج الإصلاح الاقتصادية، لكن جزءا كبيرا من هذا الترشيد ذهب إلى برامج حماية اجتماعية أخرى مثل «تكافل وكرامة» مثلا.
ولتوضيح ذلك أكثر هناك جدول بيانى مهم بجوار الجدول السابق عنوانه «تحسن التوزيع النسبى للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية والذى ظل يتحسن بإطراد واضح من عام ٢٠٠٩ حتى عام ٢٠٢٠ ــ ٢٠٢١.
فى هذه الدراسة فإن الدكتورة رشا رمضان تؤكد أن الوزن النسبى للإنفاق على المزايا الاجتماعية شهد زيادة ملحوظة وأن إجراءات الإصلاح الاقتصادى التى أطلقتها الحكومة عام ٢٠١٦ تهدف لتحسين كل من الكفاءات والاستهداف فى الإنفاق على الحماية الاجتماعية، حيث وصل عدد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة ٣٫٧ مليون أسرة فى عام ٢٠٢١، وأن مقدار تقليل احتمالية وقوع هؤلاء المستفيدين من البرنامج تحت خط الفقر قد صار ١٢ نقطة مئوية فقط.
مرة أخرى هذه البيانات ينبغى أن تخضع لقراءة دقيقة من كل الهيئات والمؤسسات ذات الصلة، حتى يمكننا أن نتجاوز التحديات الضخمة المتوقع أن تواجهنا فى المستقبل.