بقلم - عماد الدين حسين
مرة أخرى أسأل: هل هناك بطء فى الحوار الوطنى، وإذا كانت الإجابة بنعم، فهل هذا البطء متعمد وهدفه المماطلة والتسويف وكسب الوقت أم كان لظروف خارجة عن إرادة الجميع؟
لا أوجه هذا السؤال للمتربصين بالحوار والذين يتمنون طوال الوقت المشاركة فيه ولو بالصمت، وحاولوا بكل الطرق المغازلة بهدف المشاركة، لكن طلباتهم السرية والعلنية تم رفضها بوضوح وبكل الصيغ.
ولكن أحاول الإجابة على السؤال تقديرا للعقلاء الذين يطرحونه من منطلق الحرص والخوف عليه ويتمنون نجاحه، وآخرهم الصديق العزيز الكاتب الصحفى المحترم عبدالله السناوى، الذى كتب هذا المعنى فى «الشروق» قبل أيام، منتقدا ما يراه بطأ فى الحوار الوطنى.
قولا واحدا من وجهة نظرى المعتمدة على مشاهدات واقعية بحكم عضويتى فى مجلس أمناء الحوار الوطنى، وبحكم أننى حضرت الجلسات الخمسة منذ الاجتماع الأول فى أوائل شهر يوليو، نهاية بالجلسة التى عقدت مساء يوم الإثنين الماضى، فإن الإجابة هى لا قاطعة وحاسمة، وأظن أن هذه ستكون هى الإجابة التى سيقولها كل أعضاء مجلس الأمناء بمن فيهم المحسوبون على المعارضة أو الموالاة أو من بينهما من خبراء مستقلين.
لن أذيع سرا أنه فى الجلسة الأخيرة التى حسمت أسماء مقررى المحاور الثلاثة الرئيسية ومساعديهم وكذلك مقررى اللجان الثلاثة فى المحور السياسى أن بعض الزملاء فى مجلس الأمناء طلبوا تأجيل حسم الأسماء إلى جلسة لاحقة حتى يكون هناك فرصة لمزيد من المشاورات، لكن غالبية الحاضرين رأوا أن رسالة خاطئة ستصل لكثيرين إذا تم التأجيل، خلاصتها أن الأعضاء يماطلون ويسوفون.
النقطة الجوهرية التى يؤكد عليها الجميع داخل مجلس الأمناء أنه من الحكمة أن نتأخر قليلا فى وضع القواعد الإجرائية والتنظيمية أفضل كثيرا من التسرع، الذى قد يقود إلى تأخير فى مرحلة لاحقة.
أقدر وأدرك أن غالبية المواطنين يرون أن هناك بطأ وتأخيرا لأنهم يعتقدون أيضا أن المسائل الإجرائية سهلة وبسيطة، لكن هناك مئات التفاصيل والأخذ والرد والجدل والمناقشات، وكل حرب أو طرف أو عضو يريد التأكد أن كل شىء على ما يرام. والمرة الوحيدة التى تأجل فيها الاجتماع لعشرة أيام كانت حينما تعرض المنسق العام الصديق ضياء رشوان لوعكة صحية، والحمد لله أنه تعافى تماما، وعاد ليمارس هوايته المفضلة فى الجلسات الماراثونية التى لم تقل عن ست ساعات!
البعض ما يزال يعتقد أن الحوار هدفه حل مشاكل فرعية هنا وهناك، وشخصيا قابلت أحد المواطنين فى مدينة أكتوبر منذ أسبوعين وطلب منى أن أتبنى تخفيض رسوم المدارس التجريبية!!.
وأعذر كل شخص يريد أن يحل مشكلته الخاصة بعد أن عجز عن حلها بالوسائل القانونية، لكن أظن أن الهدف الجوهرى لهذا الحوار، أن يقود إلى تهيئة المناخ العام لمزيد من التوافق الوطنى، والمعنى الواضح الذى جاء فى كلام الرئيس عبدالفتاح السيسى حينما دعا للحوار فى ٢٦ أبريل الماضى هو «حوار سياسى يقود لتحديد أولويات العمل الوطنى».
مرة أخرى ألمس جدية حقيقية لدى جميع أعضاء مجلس أمناء الحوار الوطنى، وهذه الجدية تتضح جلسة بعد أخرى من مشاهدات كثيرة. الجميع يتجنب تماما وضع العراقيل أو المعوقات، وأحيانا يتنازل عن رأيه وموقفه من أجل أن تمضى الأمور قدما، وأظن أن هذا الأمر أحد المكاسب الأساسية التى يمكن البناء عليها فى المستقبل، وليس فقط فى الحوار الوطنى.
الناس لا تتخيل أن حسم اسم مرشح واحد من بين ٣٦ اسما كمقررين للمحاور واللجان يمكن أن يستغرق ساعة كاملة من المناقشات الجادة التفصيلية. وللحديث بقية.