ما لم تحدث معجزة فإن العدوان الإسرائيلى سوف يستمر على قطاع غزة، وربما على جنوب لبنان، حتى يوم 20 يناير من العام المقبل، موعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بعد أن اكتسح المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس يوم الثلاثاء الماضى.
قد يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار فى جنوب لبنان إذا وافق حزب الله على المطالب الأساسية الإسرائيلية التعجيزية، وهى سحب مقاتليه وراء نهر الليطانى أى 30 كيلومترًا من الحدود، ونزع سلاحه ووقف تسلحه وإمداده خصوصًا عبر سوريا. ونشر الجيش اللبنانى على طول الحدود.
نجاح إسرائيل فى تحقيق هذه الشروط لن يفصل فقط الجبهة اللبنانية عن غزة، وإعادة المهجرين الإسرائيليين سكان شمال إسرائيل إلى بيوتهم التى أجبروا على مغادرتها من يوم 8 أكتوبر من العام الماضى، لكن يعنى أن إسرائيل حققت انتصارًا مهمًا، وهو إسكات بنادق حزب الله. والأخير يصر على أنه سيقاتل ولن يستسلم، مهما كانت النجاحات الإسرائيلية التكتيكية.
الموقف فى قطاع غزة مختلف تمامًا ورغم أن إسرائيل تمكنت من القضاء على جانب كبير من قدرات المقاومة، ورغم أنها حولت القطاع إلى مكان غير صالح للحياة لسنوات طويلة، ويحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار، ورغم أنها قتلت أكثر من 43 ألف مواطن وأصابت أكثر من مائة ألف ناهيك عن المفقودين وهدم البيوت والمؤسسات والمنشآت، فإن هدفها الأكبر لم يتحقق بعد، وهو إجبار الفلسطينيين على الرحيل عن أرضهم، بحيث يتحول القطاع إلى منطقة فارغة أو عازلة، أو فى أفضل الأحوال يعود المستوطنون إليها كما يحلمون بل صاروا ينشرون إعلانات فى وسائل الإعلام والتواصل على برامج محددة لإعادة بناء المستوطنات التى أجبروا على هدمها ومغادرتها بعد الانسحاب الإسرائيلى من القطاع عام 2005 خصوصًا مجمع مستوطنات غوش قطيف وتتساريم والمستوطنة الأخيرة أقامت إسرائيل طريقًا أو محورًا عريضًا هدفه الأساسى فصل جنوب غزة عن شمالها.
يقر قادة الجيش الإسرائيلى، بمن فيهم وزير الدفاع المقال يوآف جالانت، على أن الجيش استنفد كل أغراضه وأهدافه فى القطاع. لكن الذى يحدث فعليًا فى الشهور الأخيرة هو أن العدوان يستهدف شمال غزة بصورة بالقصف المساحى أى التسوية بالأرض والقضاء على كل مقومات الحياة، حتى يمكن إجبار الفلسطينيين على مغادرة المنطقة، لكن إسرائيل تتفاجأ بصمود الفلسطينيين بل وبقدرة المقاومة على تكبيد الاحتلال خسائر متتالية خصوصًا فى جباليا.
للأسف الشديد التقارير والصور والفيديوهات الآتية من شمال غزة، تقول إن إسرائيل تنفذ مخططها بدأب شديد وبوحشية أشد.
ما الذى يعنيه كل ما سبق؟!
نتذكر أن الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب قال لرئيس الوزراء الإسرائيلى حاول أن تنهى الأمور بسرعة.
ونتذكر أيضًا أن الإدارة الديمقراطية الأمريكية الحالية، بقيادة جو بايدن، قدمت لإسرائيل ما لم تقدمه أى إدارة سابقة.
هى فتحت لها مخازن السلاح وخزائن الأموال، وتولت حمايتها بالفيتو فى مجلس الأمن، وبحاملات الطائرات ومنظومات الدفاع الجوى بل وبالحرب المباشرة ضد كل من حاولوا إسناد المقاومة، خصوصًا فى لبنان واليمن وسوريا والعراق.
إذن يريد ترامب من نتنياهو أن ينهى المهمة فى أسرع وقت ممكن حتى 20 يناير المقبل، وبالتالى يتولى ترامب الإعلان عن وقف إطلاق النار بعد أن تكون إسرائيل قد خلقت الوقائع الجديدة على الأرض، خصوصًا فى غزة.
وليس مستبعدًا أن تستغل إسرائيل فترة «البطة العرجاء» لإدارة بايدن، وتقوم بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية خصوصًا أن ترامب نفسه كان قد نصح الإسرائيليين أن يفعلوا ذلك خلال حملته الانتخابية، خصوصًا بعد أن هاجمت إيران إسرائيل، فى الأول من أكتوبر الماضى.
وبالتالى وحتى نكون واقعيين، فلا يوجد أى عوامل وأوراق ضغط تجعل نتنياهو يتوقف عن عدوانه.
هو الآن فى أفضل أوقاته، ترامب عاد إلى البيت الأبيض، وتمكن من إبعاد معظم معارضيه من الحكومة، وآخرهم جالانت وقبله إيزنكوت وجانتس، والمعارضة هناك ضعيفة ومهلهلة. وأهالى الأسرى أصيبوا باليأس تقريبًا. وغالبية الدول العربية لا تستخدم إلا الشجب والإدانة وأحيانًا تقديم المساعدات الإنسانية.
من أجل كل ما سبق فإن العدوان الإسرائيلى مستمر فى وحشيته حتى 20 يناير المقبل. ما لم تحدث معجزة، وهو أمر شبه مستبعد.