بقلم: عماد الدين حسين
من المسئول عن ظاهرة الاحتباس الحرارى التى تقود إلى التغيرات المناخية، التى يخشى العالم آثارها؟
قولا واحدا هى الدول الصناعية الكبرى، لكن للأسف فإن الفقراء هم الذين سيدفعون الثمن الأكبر خصوصا فى قارة أفريقيا.
تحدثت أمس وأول أمس عن مناقشة مجلس الشيوخ المصرى لظاهرة التغيرات المناخية، وماذا فعلته مصر، وما الذى ينبغى على المواطنين أن يفعلوه للتقليل من آثار هذه الظاهرة الخطيرة، لكن للأسف إذا لم تتحرك الدول الكبرى لاتخاذ قرارات مهمة وجذرية وحاسمة لوقف ظاهرة الاحتباس الحرارى، فإن الجميع سوف يدفع الثمن خصوصا فى العالم الثالث وأفريقيا، وبالتالى مصر.
صحيح أن سلوك كل دولة وممارساتها مهم فى هذا الصدد إلى حد ما، لكن الدول الصناعية الكبرى هى المتهم الأول وسمعنا الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة تقول فى مجلس الشيوخ يوم الإثنين الماضى، إن مصر من أقل الدول فى الانبعاث الحرارى ولا تزيد النسبة فيها على ٫٦٪ من النسبة العالمية، وللمفارقة فإنها أقل الدول حصولا عل الدعم المالى الذى تقدمه الأمم المتحدة لمواجهة ظاهرة التغير المناخى فى إطار ما يتم تقديمه للدول النامية.
نعود للسؤال الذى بدأنا به عن المتهمين فى الاحتباس الحرارى؟
ويجرى تصنيف الدول المسببة للاحتباس الحرارى من حيث حجم انبعاثات الغازات الدفيئة وهى ثانى أكسيد الكربون والميثان والأوزون والكلور وفلوركربون. هذه الغازات موجودة فى الغلاف الجوى وهى قادرة على امتصاص الأشعة المفقودة من الأرض والأشعة تحت الحمراء فتقلل ضياع الحرارة من الأرض إلى الفضاء، مما يساعد على تسخين جو الأرض وبالتالى يساهم فى ظاهرة الاحتباس الحرارى.
ولسنوات طويلة كانت هناك ١٧٠ دولة مسئولة عن أكثر من ٩٠٪ من انبعاثات الغازات الدفيئة، لكن هناك خمس دول هى الصين ٣٠٪ والولايات المتحدة ١٥٪ والهند ٧٪ وروسيا ٥٪ .
والبيانات تقول أيضا إن الانبعاثات الصادرة من الصين تزيد على ضعف الصادرة من الولايات المتحدة، ولكن تاريخيا فإن الولايات المتحدة خرجت منها انبعاثات أكثر من أى دولة أخرى فى العالم، وبعد هذين البلدين هناك كل من الهند والاتحاد الأوروبى وإندونيسيا وروسيا واليابان والبرازيل وإيران.
وابتداء من عام ٢٠٠٦ صارت الصين هى الدولة الأكثر تصديرا للانبعاثات فى الغلاف الجوى، وفى عام ٢٠١٩ وبعد أن بدأت الدول الكبرى الحد من الانبعاثات فقد وصلت الانبعاثات الصادرة من الصين إلى ما يقرب من ٢٫٥ ضعف انبعاثات الولايات المتحدة، وأكثر من جميع دول العالم مجتمعة. فطبقا للمقاييس العالمية فإن الصين أصدرت ١٤٫١ مليار طن مترى من جميع الغازات الدفيئة والانبعاثات بنسبة ٢٥٪ والولايات المتحدة ٥٫٧ مليار طن بنسبة ١١٪ من ثم الهند ٦٫٦٪ والاتحاد الأوروبى ٦٫٤٪ ثم اليابان.
الانبعاثات كما يقول العلماء تأتى من أى شىء يعمل بالوقود الأحفورى بما فى ذلك قيادة السيارات التى تعمل بالبنزين والطيران والتدفئة وإضاءة المبانى بالطاقة المولدة من الفحم أو الغاز الطبيعى أو النفط، وكل ما ينتج عن صناعة الطاقة التقليدية، ومؤخرا تم تضمين مصادر أخرى مثل الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات، باعتبار أن ذلك يتسبب فى كارثة مضاعفة لأن وظيفة الغابات الأساسية هى امتصاص ثانى أكسيد الكربون الضار، وإنتاج الأكسجين المفيد.
ورغم أن الكبار هم الأكثر تسببا فى المشكلة، فإن قارة أفريقيا الأقل تأثيرا بمراحل هى الأكثر تضررا. غالبية المؤتمرات الدولية الكبرى التى تصدت لظاهرة التغيرات المناخية، أعلنت التزامها أكثر من مرة بتقديم الدعم للدول النامية، والرئيس عبدالفتاح السيسى أعلن خلال كلمته فى مؤتمر جلاسجو الأخير «COP 26»: «أننا نشعر بالقلق إزاء الفجوة بين التمويل المتاح وحجم التحديات الفعلية وعلى ضرورة وفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها بتوفير ١٠٠ مليار دولار، لمساعدة الدول النامية.
للأسف الشديد الكبار يقدمون العديد من التعهدات لكن لا يلتزمون بها، ليس ذلك فحسب، بل إن الولايات المتحدة الأكثر تصديرا للانبعاثات بصفة إجمالية انسحبت فى عهد دونالد ترامب من اتفاقية حماية المناخ بمجرد دخول البيت الأبيض أوائل عام ٢٠١٧، لأن هدفه الأسمى كان حماية الأرباح الخيالية للشركات الأمريكية الكبرى، بدلا من تقليل هذه الأرباح لمصلحة سلامة بلاده وسلامة الكوكب. نفس هذا السلوك تفعله بقية الدول الصناعية الكبرى بطرق مختلفة وهى تتحدث بكلمات معسولة أمام الكاميرات، لكن فى قرارات المؤتمرات الكبرى تلجأ لكل الحيل والألاعيب من أجل عدم الالتزام بحماية الكوكب.
بعد كل هذا التاريخ من التهرب والتلاعب والخداع من القوى الصناعية الكبرى، فإن العالم يتجه إلى كارثة محققة سيدفع ثمنها الجميع خصوصا الفقراء، ما لم تحدث معجزة.