بقلم: عماد الدين حسين
هذا ليس موضوعا فى الرياضة، حتى لو استخدم مفرداتها وقصصها وسياساتها، لكنه محاولة لمناقشة معايير لتقييم أداء عمل المسئولين ومحاسبتهم بصورة موضوعية وليست انفعالية.
فى أول مباراة لمنتخبنا القومى لكرة القدم فى بطولة الأمم الأفريقية المقامة حاليا فى الكاميرون، التقى مع فريق نيجيريا، الذى فاز علينا بهدف. غالبية المصريين غضبوا بشدة ليس بسبب الهزيمة، وهى واردة جدا فى عالم كرة القدم وفى كل المجالات، ولكن بسبب الأداء الهزيل جدا للفريق وللمدرب البرتغالى كيروش.
وسائل الإعلام بكل أنواعها شنت هجوما شرسا على المدير الفنى، وألصقت به كل التهم، وقالت إنه يحاول اختراع طرق جديدة فى عالم كرة القدم، وإن تشكيلة الفريق كانت غاية فى السوء، وكل اللاعبين لم يلعبوا فى مراكزهم الأساسية، باستثناء محمد الشناوى حارس المرمى!
ووصل الأمر بكثيرين ومنهم نواب فى البرلمان إلى المطالبة بطرد المدرب فورا، مثلما حدث مع سلفه حسام البدرى.
المهم وبعد ثلاثة أيام من هذه الهزيمة، تمكن المنتخب تحت قيادة كيروش من الفوز على غينيا بيساو بهدف نظيف، ولكن بأداء متوسط، وبعدها بثلاثة أيام أخرى تمكن من الفوز على السودان الشقيق بهدف، بأداء أفضل قليلا وهكذا صعد المنتخب لدور الـ١٦، خلف نيجيريا التى احتلت قمة المجموعة.
بعض الذين هاجموا كيروش فى البداية، بدأوا يهدأون، وحينما قابلنا فريق ساحل العاج، تخوف الجميع منها باعتبارها تمتلك العديد من اللاعبين المحترفين فى الدوريات الأوروبية الكبرى، لكن فى النهاية فزنا عليهم بضربات الترجيح بفضل تألق الحارس محمد أبوجبل.
بعدها قابلنا منتخب المغرب الشقيق، ومرة ثانية تخوف الكثيرون من هذا اللقاء، لأن المغرب تمتلك لاعبين محترفين كثيرين، كما أنها تتفوق علينا فى المواجهات المباشرة.
لكن ومرة أخرى فزنا على المغرب بهدفين مقابل هدف، وصعدنا للدور قبل النهائى لنلاقى الكاميرون مستضيفة البطولة وإذا فزنا إن شاء الله سنلاقى الفائز من السنغال وبوركينا فاسو.
بعد كل هذا العرض نعود ونسأل هل من حق الناس أن تغضب من كيروش حينما حدثت الهزيمة وكان الأداء سيئا جدا أمام نيجيريا، ومن حقهم الفرح بعد الفوز على فرق كبرى مثل ساحل العاج والمغرب؟ والسؤال الأهم: ما هو الأسلوب الأفضل فى تقييم المسئول هل هو النتائج الطارئة والسريعة، أم يفترض أن تكون هناك فرصة ووقت للمسئول لكى نقيمه بصورة موضوعية؟.
هذا سؤال مهم جدا، لأن معظم المصريين يعتبرون أنفسهم خبراء استراتيجيين فى كرة القدم وسائر اللعبات!
ظنى الشخصى أن من حق أى مواطن أن يغضب حينما ينهزم فريقه الوطنى، خصوصا إذا كان الأداء سيئا مثلما حدث أمام نيجيريا. وبالتالى من حق مجموعة من المواطنين أن تغضب إذا كان هناك أداء سيئ من أى مسئول أو وزير فى أى مصلحة أو مؤسسة إذا كان أداؤهم سيئا، لكن السؤال الثانى: هل من حق هؤلاء المواطنين المطالبة بإقالة وطرد ونفى هذا المسئول من أول إخفاق؟!
أظن أن الإجابة هى لا، لأننا لو اعتمدنا هذا الأسلوب منهجا فى كل المؤسسات، فسوف يتم تغيير المسئولين، ربما كل أسبوع أو كل شهر، أو مع أى إخفاق.
الأحكام السريعة والطارئة والغاضبة قد تقود إلى أخطاء ونتائج أسوأ من الخطأ الأول.
وأظن أن العديد من الفرق الكروية التى خضعت واستسلمت لرأى الجماهير وغيرت مدربيها ومديريها الفنيين، لم تحقق نتائج أفضل بل إن النتائج ربما ساءت أكثر.
هل معنى كلامى أننى أطالب بترك المدير أو المسئول الفاشل فى مكانه بحجة ضرورة إعطائه الفرصة؟
الإجابة هى لا، ولكن الهدف أن يكون لدينا وقت محدد ومعلوم وخريطة طريق وأهداف محددة نحاسب عليها مدرب الكرة أو المسئول فى أى مجال.
الذين انتقدوا كيروش بعنف، بعضهم عاد وامتدحه بعنف أيضا وهذا تناقض الى حد ما. ربما يكون كيروش قد ارتكب خطأ كبيرا فى إدارة المباراة الأولى، وأصلح أخطاءه فى المباريات التالية، لكن الأهم هو ألا نقيم المسئولين بالقطعة أو اليومية، بل بمحددات ومستهدفات واضحة، ونحاسبهم عليها. وفى حالة كيروش فليكن الحساب بالبطولة أو الصعود لكأس العالم مثلا وليس الاستجابة لجماهير منفعلة فى لحظة غضب. وبالتالى فالسؤال الأخير هو: أليس تحسن أداء كيروش ومنتخبنا فى البطولة الجارية يعلمنا ألا نستعجل الحكم على أى مسئول حتى يكون الحساب كاملا وموضوعيا؟!