بقلم: عماد الدين حسين
11 عاما مرت على ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، ولا تزال هناك عقليات تعتقد أن تمنياتها السياسية ينبغى أن تتحقق حتى لو كانت عدمية بل وتخاصم الواقع تماما.
هذه العقليات المتخشبة لا تزال غارقة فى أوهام عميقة، وليس لديها أدنى علاقة بالسياسة.
المقدمة السابقة تعليق على بعض ردود الأفعال على الدعوة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى مساء يوم الثلاثاء الماضى فى إفطار الأسرة المصرية بشأن الدعوة إلى الحوار السياسى الذى لا يستثنى أحدا ممن يؤمنون بالقانون والدستور.
أحترم وأقدر أى وجهة نظر معارضة لهذا الحوار، أو حتى ممن يشكك فى جداوه من الأساس، وليس الرفض من البداية لمجرد الرفض، والقول إن هذا الحوار لن يقود لأى شىء.
أحترم وأقدر أيضا كل من يطالب بوضع ضمانات وقواعد وأجندة لهذا الحوار حتى يحقق أهدافه المرجوة.
لكن لا أفهم وأستغرب منطق بعض «الثورجية العدميين» الذين يقولون إنه لا جدوى من هذا الحوار من الأساس. وتبلغ الكوميديا قمتها حينما تطالع أوهام بعض المغردين وهم يضعون شروطا لا تمت للواقع السياسى بصلة لكى يقبلوا بالحوار، وكأنهم يملكون نفوذا وقوى سياسية جرارة.
مبعث الاستغراب أن هؤلاء كانوا يلومون الحكومة دائما فى السنوات الأخيرة، أنها أممت السياسة وقتلتها وأممت المجال العام وأغلقته بالضبة والمفتاح. والآن، فإن هذه الحكومة التى يتهمونها بأنها أممت السياسة أعلنت رغبتها فى حوار سياسى مع بقية القوى السياسية، وبالتالى فالمفترض أن هذا تطور مهم جدا، ينبغى اختباره واستغلاله وتطويره والبناء عليه فربما يقود إلى انفراجة تكون فى صالح الجميع.
ويمكن لهؤلاء أن يوافقوا على الحوار، ويختبروا الحكومة، وحينما لا يتحقق شىء، يلومونها كما يشاءون، لكن أن يرفضوا الأمر من البداية ويشككوا فيه ويسخروا منه فهو أمر يدعو للدهشة.
منطق هؤلاء غريب جدا ويقول: «بإمارة إيه الحكومة هتعمل حوار سياسى، ومنذ متى وهى تؤمن بالسياسة؟!»
طيب يا سيدى سوف نفترض أن كلامك سليم وصحيح، فلماذا لا توافق على الحوار وترى ماذا ستفعل الحكومة وماذا ستقدم وتنتظر النتائج؟!
لأنه لو صح هذا المنطق فإن العمل السياسى يتحول إلى المباريات الصفرية، بمعنى أن أحصل على كل شىء فورا، أو لا أحصل على أى شىء بالمرة، والسياسة لا تعرف ذلك.
هؤلاء يائسون وعدميون ويدركون تمام الإدراك أنهم غير مدعوين بالمرة لأى نقاش، وأن الدعوة هى للأحزاب والقوى السياسية المدنية ثم إنهم لا يملكون أى قوة سياسية مؤثرة ومستعدون للتحالف حتى مع الشيطان من أجل هدم وتفكيك البلد، وبالتالى فهم يحاولون قطع الطريق على هذه القوى والأحزاب والشخصيات السياسية وإرهابهم وتصوير كل شخص يوافق على الحوار أو المشاركة فيه باعتباره خائبا ومغرضا.
وبجانب هؤلاء هناك فريق مثالى حالم وبرىء ويعتقد أن كل شىء يتحقق بمجرد الرغبة والتمنى وليس طبقا لشروط موضوعية.
هذه النوعية تشكل إرهابا فكريا على كل شخص لا يوافقهم على آرائهم وأفكارهم.
ويمارسون هذا الإرهاب الفكرى الذى يلومون غيرهم عليه.
فى المقابل هناك تيار واقعى فى المعارضة يرى الصورة واضحة وبعضهم حضر إفطار الأسرة المصرية وسأعود لمناقشته لاحقا إن شاء الله.
مرة أخرى لا أعرف إلى ماذا سيقود الحوار السياسى المزمع، وأتمنى له النجاح بطبيعة الحال، لكن أن يتم رفضه من البداية والتشهير بكل من يوافق عليه أو يشارك فيه، فهو أمر غريب، ولا نعرف ما هى الطريقة الصحيحة التى يرى هؤلاء العدميون أن تسير بها الأمور؟!
أليس المفترض أن يتحاور ويتكلم الناس أولا ويتجادلوا حتى يصلوا إلى نتيجة وبعدها يوافقون أو يرفضون.
ثم إن هناك سؤالا أساسيا وهو: هل التغيير للأفضل يتم بالتمنى، أم بالتعامل بواقعية؟!
كل عام ومصر وأهلها بألف خير وصحة وسعادة.