بقلم - عماد الدين حسين
هل يؤثر الإعلام العربى فى صناعة القرار، وكيف يكون نوع هذا التأثير، وهل من مصلحة صانع القرار فى أى مكان أن تتمتع وسائل الإعلام بهامش من الحرية، أم لا، وهل هناك إمكانية لصناعة رأى عام متوازن لا «يطبل» للحكومات، لكنه لا يجعل الحياة سوداء وقاتمة؟!
كل الأسئلة السابقة سمعتها وأنا أتابع الجلسة الأولى فى منتدى الأردن للإعلام والاتصال الرقمى، والذى عقد فى أحد فنادق العاصمة عمان يومى الثلاثاء والأربعاء قبل الماضيين.
حضرت المنتدى بدعوة كريمة من وزارة الاتصال الحكومى، ورغم أن زيارتى لم تستمر إلا ٣٦ ساعة تقريبا، فقد حضرت معظم الجلسات. وكان النقاش فى معظمها ثريا وتفاعليا.
فى الجلسة الافتتاحية لفت نظرى قول وزير الاتصال الحكومى مهند المبيضين إن علينا ألا نظلم الإعلام العربى طوال الوقت فهذا الإعلام مثلا هو الذى قدم مئات الشهداء فى غزة، ولولا هؤلاء الصحفيون فى غزة والضفة وأماكن أخرى كثيرة ما أمكن فضح وكشف وتعرية سردية الاحتلال الظالمة والعنصرية.
الفيديوهات والقصص والأخبار التى خرجت من غزة هى التى جعلت غالبية شعوب العالم تتضامن مع الشعب الفلسطينى.
الذين تحدثوا على المنصة يمثلون ٣ حكومات وهم منال عبد الصمد وزيرة الإعلام اللبنانية السابقة، وعبدالرحيم النعيمى الرئيس التنفيذى للاتصال والعلاقات الحكومية فى مؤسسة أبوظبى للإعلام، ووزير الإعلام الأردنى الأسبق محمد المؤمنى الذى قال كلاما مهما خلاصته أنه كلما زادت مساحة الحرية للإعلام المهنى الموضوعى ساعد ذلك الحكومات والرأى العام، وأن الخبر الصحيح سوف يفرض نفسه على الجميع، وأن المسئول الذى لا يقدم الحقائق لا يستحق أن يستمر فى منصبه، وفى النهاية فإن السؤال الجوهرى هو كيف يمكن المواءمة بين الحرية والمسئولية.
النعيمى تحدث عن مخاطر الأخبار المزيفة و قال إننا لا ننشر أى شىء إلا بعد التأكد من مصادره الرسمية.
وهناك مخاطر كبيرة الآن من استخدام الذكاء الاصطناعى بدون قواعد حاكمة، خصوصا فى قضية «من يحاسب من؟».
هو أشار إلى العمل مع وزارة الذكاء الاصطناعى الإماراتية لإطلاق منظومة للتعامل مع الذكاء الاصطناعى، حتى نتجنب سلبياته.
حينما تحدثت قلت إنه لا يمكن أن يساعد الإعلام صناع القرار فى الوطن العربى ما لم يكن هذا الإعلام قادرا على تقديم الحقائق الموجودة بالفعل على الأرض، وكذلك كيف يفكر الناس.
ولكى يؤدى الإعلام دوره فإنه يحتاج إلى الحريات المختلفة أو على الأقل هامش معقول بما يمكنه من نقل جميع الأخبار والأفكار والآراء المختلفة فى المجتمع والإقليم والعالم. إذا حدث ذلك فإن صانع القرار سوف يكون على علم بكل تفاصيل الصورة، مما يمكنه من إصدار القرار الصحيح فى كل القضايا التى تعرض عليه.
والعكس صحيح تماما، فإذا لم يقم الإعلام بدوره الصحيح أو لم يكن قادرا على ذلك، فإن صانع القرار قد لا يتمكن من إصدار القرار الصحيح فى بعض القضايا.
حينما نتحدث عن صانع القرار فإننا نقصد بذلك كل مسئول مهما كان مستواه صغيرا أو كبيرا.
وبالتالى فإن من مصلحة المجتمع بأكمله من أول الأفراد إلى الهيئات والنقابات والمؤسسات والحكومة والدولة أن يتلقى صانع القرار أكبر قدر ممكن من المعلومات والبيانات والأفكار والرؤى الصحيحة بشأن القضية المعروضة عليه حتى يمكنه إصدار القرار الصحيح.
إذن العامل الأساسى فى نجاح ذلك هو وجود هامش من الحريات، لكن هناك مسئولية كبرى تقع على عاتق وسائل الإعلام، بمعنى أن دورها أن تهيئ وتجهز وتدرب محرريها وكتابها لأداء مهمتهم على أكمل وجه، حتى يقدموا للقراء والمشاهدين المعلومات الصحية، وهو ما يقود إلى بناء مجتمع على درجة عالية من الوعى العام وبالتالى يمكنهم التصدى لأغلب أنواع الشائعات.
والوزيرة اللبنانية قالت إنه تم إطلاق حملة فى لبنان بعنوان «عد للعشرة قبل النشرة » بمعنى عدم التسرع فى نشر الأخبار إلا بعد التأكد من صحتها ودقتها.
قلت أيضا إن انعدام أو قلة الحريات هو الذى يجعل الجمهور ينصرف عن وسائل الإعلام التقليدية ويلجأ مضطرا إلى وسائل التواصل الاجتماعى بكل انفلاتها وعشوائيتها، وهناك أيضا نظرية «الوعاء الفارغ» فإذا لم تملأه أنت بالأخبار الصحيحة فإن غيرك قد يملؤه بأى نوع من الأخبار الكاذبة والملفقة والمضللة والمشوهة… الحديث ذو شجون وممتد وأرجو أن أعود إليه لاحقًا.