بقلم - عماد الدين حسين
هل انتهت الصيغة القديمة التى حكمت العلاقات السعودية الأمريكية منذ الأربعينيات من القرن الماضى وحتى انتخاب الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن، وذلك بعد أن خرجت الخلافات بين البلدين من الغرف المغلقة إلى العلن ووصلت لحد التهديد الأمريكى بوقف تصدير الأسلحة وإعادة تقييم العلاقات ردا على قرار «أوبك +» بتخفيض إنتاج البترول بمليونى برميل يوميا؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال اليوم ربما يكون من المفيد إلقاء الضوء على هذه الصيغة القديمة التى حكمت علاقات البلدين.
الخبراء المتابعون لهذا الملف يقولون إن العلاقات قامت على أساس اتفاق كونيسى فى ١٤ فبراير ١٩٤٥، وتفاصيله أن الرئيس الأمريكى الأسبق فرانكلين روزفلت كان عائدا من مؤتمر يالطا، هذه المدينة السوفييتية الواقعة على ساحل البحر الأسود بين قادة أمريكا والاتحاد السوفييتى وبريطانيا لمناقشة ترتيب الأوضاع العالمية قبل فترة قليلة من حسم الحرب العالمية الثانية، خصوصا كيفية تقسيم ألمانيا النازية.
فى طريق عودته من يالطا قرر روزفلت أن يلتقى بالعديد من قادة المنطقة ومنهم ملك مصر فاروق، وإمبراطور إثيوبيا هيلاسلاسى، وعبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية.
اللقاء بين روزفلت وسعود وعبدالعزيز تم على ظهر الطراد الحربى الأمريكى كوينسى فى منطقة البحيرات المرة قرب قناة السويس.
خلال اللقاء بين الزعيمين تم توقيع اتفاق تفاهم بين البلدين من قبل وزير الخارجية الأمريكى وقتها وليام إيدى ويوسف ياسين نائب وزير الخارجية السعودى، واحتوى الاتفاق على ثلاثة محاور، أولها اللاجئون اليهود حيث رفض عبدالعزيز فكرة أن يتم توطينهم فى فلسطين، بل فى البلدان التى اضطهدتهم خلال الحرب. والمحور الثانى حقوق العرب المشروعة فى فلسطين وأنهم سيختارون الموت عوضا عن تسليم أرضهم لليهود، ويومها قال روزفلت إنه تفهم المطالب العربية، ويقترح إرسال بعثة عربية لبلاده لشرح القضية الفلسطينية. كما تم يومها بحث قضية سوريا ولبنان وضرورة إعطاء فرنسا البلدين حقهما فى الاستقلال، إضافة إلى دور الولايات المتحدة فى دعم عملية التنمية فى البلدان العربية.
قبل اللقاء فإن الولايات المتحدة اعترفت بحكم آل سعود عام ١٩٣١، وفى عام ١٩٣٣ منحت الحكومة السعودية امتياز التنقيب عن النفط لشركة «ستاندراد أويل أوف كاليفورنيا»، وبدأ الإنتاج التجارى عام ١٩٣٨. ومن وقتها بدأت شركات النفط الأمريكية تضغط على حكومتها فى واشنطن من أجل حماية مصالحها بإقامة علاقات وثيقة مع الرياض، خصوصا بعد أن بدأت شركة أرامكو السعودية تزويد القوات المشتركة فى الحرب بالمشتقات النفطية، رغم أن الرياض كانت قد أعلنت الحياد فى الحرب العالمية الثانية.
وفى عام ١٩٤٢ زادت أهمية السعودية لأمريكا حيث عينت قائما بالأعمال فى جدة بعد أن كانت مفوضيتها فى القاهرة هى المسئولة عن الشئون السعودية.
وفى هذه الفترة بدأت الولايات المتحدة فى الانفتاح على العالم أكثر، إضافة إلى رغبتها فى أن تحل محل بريطانيا التى كانت منهكة بسبب الحرب.
روزفلت دعا الملك عبدالعزيز لزيارة واشنطن، لكنه اعتذر وأرسل ابنيه فيصل وخالد فى سبتمبر ١٩٤٣، وأقاما فى بلير هاوس. وفى عام ١٩٤٤ عينت أمريكا وليام أيدى على رأس مفوضيتها فى جدة، وإيدى ولد فى صيدا لأبوين يعملان فى الارساليت التبشيرية وكان يجيد العربية، وصار بعد لقاء كونيسى مهندسا لعلاقات البلدين.
المهم أن إيدى فى مذكراته يروى أن روزفلت طلب منه الإعداد بسرية تامة للقاء الملك عبدالعزيز خوفا من استهداف الطيران الألمانى لهذا اللقاء حيث إن هذا الطيران كان يقصف القاهرة والسويس بصفة مستمرة.
لقاء كونيسى حضره ٤٥ شخصا صباح ١٤ فبراير ١٩٤٥، وتحدث الزعيمان لمدة ساعة وربع ثم تناولا الغداء، وفى اليوم التالى تم التوقيع على مذكرة التفاهم حيث كان الرئيس الأمريكى موجودا فى الإسكندرية فى طريق عودته لبلاده.
حسب المصادر المتعددة فإن الاتفاق تناول الكثير من النقاط والمحاور، لكن أبرزها تعهد الولايات المتحدة بألا تتعرض السعودية لأى غزو خارجى والحرص على استقلالها وفك الارتباط مع بريطانيا بما فيها الارتباط مع الجنيه الإسترلينى ودخول السعودية الحرب مع الحلفاء ضد دول المحور.
منذ هذا الاتفاق توالى على الحكم فى البلدين ٦ ملوك سعوديين و١٤ رئيسا أمريكيا، وكلهم شددوا على أهمية هذه العلاقة وحتمية وجودها واستمرارها رغم كل التقلبات إلى أن وصل بايدن للبيت الأبيض وصار الأمير محمد بن سلمان الرجل القوى فى المملكة.
والسؤال مرة أخرى: هل ما يزال اتفاق كونيسى فعالا؟!