ما الذي يدفع طالباً أن يذبح زميلته في إحدى كليات جامعة المنصورة شمالي القاهرة، وما الذي يدفع قاضياً أن يقتل زوجته بصورة بشعة، ويدفنها في حديقة فيلته الخاصة، وما الذي يدفع أماً لقتل أطفالها الثلاثة، وما الذي يدفع ابناً إلى قتل أبيه وإخوته في إحدى محافظات الصعيد؟!
هذه الأسئلة ومثلها شغلت الرأي العام المصري في الأيام والأسابيع الأخيرة، وصارت هي «التريند» في وسائل التواصل الاجتماعي، بل وشغلت حيزاً كبيراً من اهتمامات وسائل الإعلام المصرية التقليدية، ووجدت صدى أكبر في وسائل إعلام عربية، بل ودولية.
صار معروفاً لكثير من المتابعين للشأن المصري أن طالباً في كلية الآداب بجامعة المنصورة ذبح زميلته نيرة أشرف أمام الجامعة وفي وضح النهار لأنها رفضت أن تتزوجه أو تبادله المشاعر والعواطف، ويوم الثلاثاء الماضي أصدرت إحدى محاكم الجنايات حكماً بإحالة أوراق القاتل إلى المفتي، في أسرع حكم من نوعه على ما أظن، ربما لأن الجريمة بشعة، وربما لأنها واضحة وأدلتها لا تحتمل اللبس أو التشكيك، وربما أيضاً لأن القضية شغلت الرأي العام بصورة كبيرة. وصار معلوماً أيضاً أن قاضياً متهماً بقتل زوجته التي تعمل مذيعة في إحدى الفضائيات المصرية غير المعروفة لكثيرين.
المذيعة اختفت من ثلاثة أسابيع والمتهم تم القبض عليه قبل أيام قليلة، والذي فجّر القضية أحد الشهود الذي رأى عملية القتل، وأقر بكل التفاصيل وربما يكون قد ساعد القاتل.
وفي الحادثة الثالثة قتلت أم أطفالها الثلاثة في محافظة الدقهلية بحجة أنها تريد لهم أن يذهبوا للجنة ولا يتعذبوا في هذه الدنيا وكتبت لزوجها خطاباً تقول فيه إنها أرسلت الأولاد إلى الجنة!! وفي الحادثة الرابعة فإن الابن قتل أباه وأشقاءه الأربعة وحاول قتل أمه في محافظة قنا لخلافات على الأموال والميراث!!
الجرائم تقع وتتم منذ بدء الخليقة، حينما قتل قابيل أخاه هابيل، والمؤكد أن هذه الجرائم سوف تستمر إلى أن تقوم الساعة، لأنها جزء من طبيعة بعض البشر، وتعكس الصراع بين الخير والشر الموجود في النفس الإنسانية.
لكن ورغم أن الجرائم تقع وسوف تستمر في الوقوع، إلا أن ما يحيّر ويربك ويقلق جانباً كبيراً من المصريين هو أن هذه النوعية من الجرائم غير معهودة وصارت تتكرر على فترات قصيرة، وبالتالي فإن كثيرين يسألون: لماذا؟!
الإجابات تختلف، وتتنوع. البعض يرجع كثرة هذه الجرائم إلى ابتعاد الناس عن الدين.
والبعض يرجع الظاهرة إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت الناس تتأثر ببعضها البعض، وجعلت التقليد أمراً شائعاً.
والبعض يرجع الظاهرة إلى تراجع دور منظومة القيم التقليدية، خصوصاً دور العبادة والمدرسة والجامعة ومؤسسات المجتمع المدني، والبعض يرجع الأمر إلى غياب أو تراجع دور الأسرة في التربية، وأنها تركت ذلك لوسائل التواصل الاجتماعي لتربي الأجيال الجديدة بقيمها الخاصة.
وفي ظني الخاص أن كل عامل من العوامل السابقة يصلح أن يكون سبباً، لكن أغلب الظن أن السبب الجوهري هو العوامل السابقة مجتمعة، ويأتي في مقدمتها التأثير الخطير لوسائل التواصل الاجتماعي، التي صارت تلعب دوراً خطيراً في غالبية المجتمعات، وليس فقط المجتمع المصري.
«السوشيال ميديا» يفترض أنها وسائل تواصل اجتماعي وفقط، وليست وسائل إعلام أو تربية أو منظومة قيم، لكن تراجع دور من يقومون بالإعلام أو التربية التقليدية، جعل «السوشيال ميديا» تتقدم وتأخذ زمام القيادة.
الآباء والأمهات والأسرة عموماً وفي ظل الأزمات الحياتية المتوالية ابتعدوا كثيراً عن أمور أبنائهم، والأبناء صار الهاتف المحمول هو من يعلمهم ويزرع فيهم منظومة القيم الخاصة والجديدة، والتي قد تتعارض كثيراً مع القيم التقليدية.
الخبر السيئ للمجتمعات العربية عموماً، أن هذه الظواهر الغريبة عن مجتمعاتنا مرشحة للاستمرار، وربما تتكاثر، لأن الأسباب التي تقود إليها مستمرة ومؤثرة.
ثم علينا ألّا ننسى خطر تزايد إدمان المخدرات بين بعض الشباب. والأخطر الضغوط العالمية، خصوصاً من الدول الغربية على تبني قيم وأفكار اجتماعية مغايرة للقيم والتقاليد العربية والإسلامية. وهو أمر قد نتأثر به في الفترة المقبلة.
ما لم نتمكن من بلورة حلول ونماذج وقيم تتصدى لذلك فسوف نعاني كثيراً، والمؤكد أن المنع وحده لن يكون كافياً للتعامل مع هذه الظواهر الجديدة.
نأمل أن يكون ما حدث مجرد حوادث متفرقة، وليست مؤشراً على نوعية جديدة من الجرائم قد تتكرر في العديد من المجتمعات العربية في الفترات المقبلة.