بقلم - عماد الدين حسين
أحد أهم الملاحظات الأساسية على صفقة رأس الحكمة التى تم الإعلان عنها رسميًا عصر يوم الجمعة الماضى، أنها قوبلت بترحيب واسع من غالبية الاقتصاديين ورجال الأعمال وبعضهم شديد المعارضة للسياسات الحكومية الحالية.
هؤلاء يقولون بوضوح إنهم لم يتوقعوا إطلاقًا أن تتمكن الحكومة المصرية من الوصول إلى صفقة بهذا الحجم وتحصل على ٣٥ مليار دولار خلال شهرين، منها ١١ مليار دولار سيتم إسقاطها من الديون كانوا عبارة عن ودائع إماراتية فى البنك المركزى المصرى.
لكن فى مقابل ذلك فإن غالبية الخبراء والمراقبين سواء كانوا مؤيدين للحكومة أو معارضين لها يتفقون على شىء واحد وهو ضرورة أن تستغل الحكومة هذه الفرصة الكبرى الواعدة، وتبدأ فى حل جذور المشكلة الاقتصادية أو على الأقل وضع الاقتصاد على بداية طريق الحل، حتى لا يتم إهدار هذه الفرصة مثلما تم إهدار العديد من الفرص فى السنوات والعقود الماضية.
خبير اقتصادى مرموق وهو مستثمر فى نفس الوقت قال لى إن القرارات الاقتصادية فى الأيام المقبلة بعد وصول الدفعات الأولى من صفقة رأس الحكمة يجب أن تتخذ بميزان من الذهب. هى من وجهة نظره نقلة مهمة جدًا سوف تسند الاقتصاد المصرى فى الفترة المقبلة لكنها ليست حلا دائما، خصوصا فى ظل الصعوبات الضخمة التى يعانى منها الاقتصاد وتزايد الواردات وتراجع الصادرات.
مثلا أنه لا يجب أن يتم ضخ أموال بالعملة الصعبة فى أى مشروعات جديدة، أما بالنسبة للمشروعات الجارى تنفيذها، فالأفضل أن ننتهى من المشروعات المهمة التى قاربت على الانتهاء، ونترك المشروعات الجديدة للقطاع الخاص ينفذها.
هذا الخبير الاقتصادى يرى أن هناك مجالين مهمين ينبغى أن تتوجه إليهم كل الجهود فى الفترة المقبلة للنهوض بهما. وهما قطاع الطاقة الذى نستورد ٤٠٪ من احتياجاتنا تقريبا وقطاع الزراعة الذى نستورد أكثر من 70% من احتياجاتنا، إضافة بالطبع إلى دعم كل ما يتعلق بالصناعة وبالأخص التصنيع الزراعى.
قرأت أيضا سلسلة تغريدات مهمة للخبير والمستثمر المعروف حسن هيكل على منصة إكس يطرح فيها العديد من الأسئلة ويقدم لها بعض الإجابات. منها أن هذه القيمة الإجمالية الكبرى للصفقة لا يمكن للدول أن تقوم بها فلا يوجد مطور يدفع مقدما ونقدا بهذا الحجم من المال، وأن أهمية الصفقة فى ضخامتها، وأن السعر إذا تم قسمته على مساحة الأرض فهو يتراوح ما بين ١٥٠ــ ٢٠٠ دولار للمتر، إضافة إلى ٣٥٪ من أرباح المشروع، علما أن الأرض من دون مرافق، وبالتالى فإن المطورين سوف يستثمرون فى بنية تحتية جديدة وهو ما يعنى ضخ المزيد من الاستثمارات الخارجية، والأهم أن المشروع سيخضع للقوانين والمحاكم المصرية وليس للتحكيم الدولى.
فى تغريداته ينفى حسن هيكل أن يكون المشروع «فنكوش» لأن المواعيد محددة بأسبوع وشهرين لوصول كل القيمة الإجمالية وهى ٢٤ مليار دولار.
ويطالب هيكل بنشر كل بنود المشروع حتى يطمئن الناس، لكن أهم نقطة أثارها حسن هيكل فى تغريداته هى أن المشروع سوف يوفر فرصة لانطلاقة مهمة، لكن ذلك يجب أن يرتبط بإعادة النظر فى الأولويات وأن يكون هناك حديث جدى عن دور الدولة فى الاقتصاد، وعن برامج حماية لتحقيق الحد الأدنى من المواطنة، وعن خطة حقيقية للتعليم والتأمين الصحى، وإطلاق العنان للقطاع الخاص خصوصا فى الشركات الصغيرة والمتوسطة، التى وصفها هيكل بأنها «مدبوحة» وأن يتم إدارة الاقتصاد بطريقة مختلفة وكفاءات مختلفة.
فى تقدير هيكل أنه إذا حدث كل ذلك فإن الدولة سوف تنطلق بقوة إلى الأمام أو حسب تعبيره سوف «نطير»، وإذا لم يحدث فإن الصفقة ستصبح فرصة أخرى ضائعة لحل مشاكل البلد الاقتصادية.
يعتقد هيكل أنه حينما تتسلم مصر ثمن الصفقة، إضافة للمبلغ الذى سيسلمه الصندوق فسوف يؤدى ذلك لحل المشكلة مرحليا لكن الحل النهائى والكامل مرتبط بما أسماه تنفيذ البند رقم ٦ فى تغريداته والمتعلق بدور الدولة فى الاقتصاد وتحديد الأولويات والمواطنة والكفاءات الاقتصادية.