بقلم - عماد الدين حسين
بعض العرب يسأل: متى يتحرك المجتمع الدولى لوقف المجزرة التى تنفذها دولة الاحتلال الإسرائيلى بحق السكان المدنيين فى قطاع غزة وبيوتهم ومؤسساتهم ومستشفياتهم، وذلك فى أعقاب عملية المقاومة الفلسطينية «طوفان الأقصى» ضد مواقع الجيش الإسرائيلى ومستوطناته فى ٧ أكتوبر الحالى؟
ولهؤلاء نقول إنه لا يوجد مصطلح دقيق اسمه المجتمع الدولى. هو مصطلح فضفاض لأنه يفترض أن العالم كله ــ أو على الأقل القوى الكبرى والفاعلة فيه ــ يتفق على موقف واحد بشأن قضية معينة، وهو أمر مستحيل تماما.
وعلى سبيل المثال يندر أن تتفق الدول الخمس الكبرى الأعضاء فى مجلس الأمن على أى موقف موحد فى القضايا والأزمات الكبرى، وبالتالى يستحيل صدور قرار ملزم من مجلس الأمن طبقا للفصل السابع من الميثاق، وحتى إذا صدر أحيانا فإنه يحتاج إلى إرادة وآليات للتنفيذ. وبالتالى لا يوجد مصطلح دقيق اسمه المجتمع الدولى فى مثل هذا النوع من القضايا، والأدق هو وجود خلافات وانقسامات دائمة بين غالبية القوى العالمية الكبرى لأن مصالحها ومواقفها متباينة ومتناقضة بحكم حالة التنافس الدائم بينها بحثا عن النفوذ والسيطرة.
السؤال الثانى يردده بعض العرب بحسن نية شديد وهو: إذا كانت أمريكا ثم بريطانيا قد أرسلت حاملة طائرات ووفرت كامل الدعم لإسرائيل فى عدوانها على غزة، فلماذا لا تقوم روسيا والصين وإيران وتركيا وبقية الدول العربية والإسلامية بتقديم الدعم العسكرى المضاد للمقاومة الفلسطينية لتمكنها من التصدى للعدوان الإسرائيلى وحرب الإبادة التى يشنها منذ ٧ أكتوبر الماضى؟!
الإجابة ببساطة أن لكل دولة أولويات مختلفة، وعلى سبيل المثال فإن الصين تتحمل بصبر استراتيجى غير مسبوق انفصال تايوان عنها منذ عام ١٩٤٩. ولا تتخذ إجراءات ضد أمريكا ردا على دعهما لتمرد هذه الجزيرة على البر الصينى خصوصا إمدادها بالأسلحة المتقدمة وزيارات المسئولين الأمريكيين المستمرة.
والصين أيضا لم تعلن رسميا تأييدها للغزو الروسى لأوكرانيا رغم علاقتها المتميزة مع موسكو، والسبب أن مصالحها مع أمريكا والغرب لاتزال هى الأهم حتى الآن.
إذا كانت هذه هى سياسة الصين فالمؤكد أنها لن تتدخل لمحاربة إسرائيل وتحدى أمريكا من أجل عيون العرب! لكن موقفها السياسى من العدوان الإسرائيلى كان داعما للفلسطينيين. نفس الأمر ينطبق على روسيا، فهى مشغولة أساسا بالمعركة فى أوكرانيا. صحيح أنها تؤيد غالبية المواقف العربية، لكنها مثلا لا تتصدى للمقاتلات الإسرائيلية التى تهاجم وتعتدى على الأهداف السورية كل أسبوع تقريبا منذ سنوات، رغم وجود قواتها فى سوريا دعما لنظام الرئيس بشار الأسد. والدولتان روسيا والصين تستفيدان كثيرا من معركة غزة لأنها تجعل أمريكا والغرب ينشغلان عنهما ولو لفترة قليلة.
تركيا وهى دولة إقليمية كبرى وتعلن ليل نهار دعمها لفلسطين بل ولديها علاقات متميزة مع حركة حماس ذات الجذور الإخوانية، لكن أنقرة وحتى تحت حكم حزب العدالة والتنمية القريب من نفس الجذور الإخوانية، لم ولن تخاطر بقطع علاقاتها القوية مع إسرائيل، وأقصى ما فعلته طوال العشرين عاما الماضية هو الشجب والتنديد ثم سحب سفيرها من إسرائيل حينما هاجمت القوات الإسرائيلية السفينة التركية «آفى مرمرة» فى ٣١ مايو ٢٠١٠، وأصابت عشرات المتضامين مع غزة.
ربما تكون إيران هى الدولة الأكثر دعما عسكريا وماليا للمقاومة الفلسطينية، لكن فى النهاية أيضا لها حسابات معقدة كثيرا، فهى مثلا تتعرض لضربات إسرائيلية كثيرة فى سوريا، ولا تستطيع الرد المباشر، وهى تدرك أنها ربما تكون غير جاهزة الآن للدخول فى مواجهة مباشرة مع إسرائيل والغرب.
ونفس الأمر ينطبق على سوريا دولة المواجهة التى تحتل إسرائيل جزءا من أرضها وهو هضبة الجولان، فتجد سوريا نفسها منشغلة بالصراع ضد المعارضة وضد قوى إرهابية متعددة مدعومة من تركيا وأمريكا، فإذا كانت غير قادرة على صد الهجمات الإسرائيلية على أراضيها كل يوم، فهل تدخل المعركة دفاعا عن غزة أو فلسطين؟!
بقية الدول العربية خصوصا المؤثرة منها دخلت فى اتفاقيات سلام وتسوية وتطبيع مع إسرائيل ابتداء من مصر عام ١٩٧٩ والأردن ١٩٩٤ والسلطة الفلسطينية ١٩٩٣ واتفاقيات إبراهام مع المغرب والسودان والإمارات والبحرين ابتداء من ٢٠٢٠، وهى تقول إنها انتهجت الطريقة السلمية للتسوية مع إسرائيل وإن حماس وبقية فصائل المقاومة لا تستشيرها حينما تشن عمليات ضد إسرائيل، وبالتالى فلا يمكن أن تورطها فى حرب أو صراع مفتوح.
هذه هى الصورة الواقعية على الأرض، وقد تكون صادمة للكثيرين، لكن علينا ألا ننساها ونحن نفكر فى تصورات أو حلول عاطفية. كنا نتمنى أن تحدث لكن الواقع أصعب مما نتخيل ويحتاج إلى عمل كثير لتغييره.