كيف يمكن توصيف العلاقات بين مصر والكويت الآن؟
أطرح هذا السؤال بعد أن زرت الكويت لمدة ثلاثة أيام لمتابعة وتغطية انتخابات مجلس الأمن التى جرت فى الرابع من شهر إبريل الجارى.
الزيارة كانت فرصة جيدة جدا لمقابلة بعض المسئولين والعديد من الإعلاميين والشخصيات العامة، وبعض المصريين. وقد شغلنى خلال هذه الزيارة سؤالان أساسيان: الأول عن العلاقات المصرية الكويتية وآفاق مستقبلها، والثانى عن أين تتجه الكويت فى الفترة المقبلة بعد الانتخابات التشريعية.
اليوم سأبدأ بالعلاقات المصرية الكويتية، وبعبارة واضحة حازمة فإن العلاقات فى هذه اللحظة جيدة والمتوقع لها أن تشهد مزيدا من التحسن والدفء فى الفترة المقبلة.
العبارة السابقة هى العنوان العام العريض، والآن إلى التفاصيل.
بصفة عامة يمكن القول أن علاقات الشعبين المصرى والكويتى فى غاية القوة، غالبية الكويتيين يحترمون المصريين ويقدرون دورهم وجهدهم وعلمهم فى الماضى والحاضر، لكن هناك قلة تسعى أحيانا إلى إفساد هذه العلاقات وتشويهها لمصالح مختلفة، وللأسف فإن صوت هذه القلة العالى ينجح فى مرات كثيرة فى تضخيم أشياء صغيرة، معتمدا على وسائل التواصل الاجتماعى التى لعبت الدور الأكبر فى إفساد العلاقات بين الشعوب العربية بالحق والباطل.
لكن للموضوعية، لا يمكن حصر المشكلة فى السوشيال ميديا، فهناك أيضا أسباب أخرى لا يمكن إغفالها.
على سبيل المثال صدر قرار من ١٦ شهرا بوقف دخول العاملين المصريين والعديد من الجنسيات الأخرى إلى الكويت. من حق الكويت بطبيعة الحال أن تنظم سوق العمالة فيها بما يخدم مصالحها. ولكن بمجرد تغير الحكومة ومجىء حكومة جديدة، فقد ألغت القرار السابق مع وضع بعض الشروط التنظيمية.
العدد الإجمالى للمصريين بلغ قبل قرار وقف استقدام العمالة قبل ١٦ شهرا أكثر من ٩٠٠ ألف شخص بقليل، انخفض عددهم الآن إلى ٦٢٢ ألف شخص. بالطبع ليس مسموحا باستقدام عمالة حكومية، بل للقطاع الخاص فقط، مع بعض القيود التنظيمية.
وإذا كان البعض فى الكويت تسبب فى وقف استقدام المصريين، فالموضوعية أيضا تقتضى أننا نحن أيضا أخطأنا حينما تركنا الزحام والفوضى أمام السفارة الكويتية بالقاهرة، وحينما لم ندرب ونؤهل عمالتنا بالشكل اللائق مما ترك انطباعا بأن غالبية العمالة المصرية عشوائية وغير مدربة، علما أن الكويتيين يفضلون المهنيين المصريين، خصوصا الأطباء والمعلمين والقضاة.
المصريون مظلومون فى السوشيال ميديا فى الكويت، وهناك من يحاول أن يظهرهم وكأنهم السبب فى كل المشاكل، وهو أمر غير صحيح، على سبيل المثال هناك تقرير رسمى يقول إن العمالة المخالفة فى الكويت حوالى ١٢٧ ألف شخص، نصفهم من العمالة المنزلية، والمعروف أن هذا النوع من العمالة لا يضم مصريين مطلقا. أما النصف الثانى من المخالفين فمعظمهم من العمالة الآسيوية، وعدد المصريين فيهم قليل جدا.
مثالان مهمان رأيتهما خلال زيارتى الأولى لدبلوماسى مصرى قال لى إنه حينما يلبس الجينز والتيشيرت ويتجول فى الأسواق والمراكز التجارية، فإنه يتلقى أفضل معاملة من الكويتيين حينما يعرفون أنه مصرى، دون أن يعرفوا مطلقا أنه دبلوماسى.
المثال الثانى، وحينما كنت فى زيارة لمسئول كويتى فى ديوانية العائلة الخاصة برفقة الصديقين محمود مسلم وعبدالغنى صلاح ، فوجئت أن كل الموظفين مصريون. والرجل قال إنهم يثقون فى العمالة المصرية كثيرا.
خلال وجودنا مر علينا أكثر من شخص كويتى وكان العامل المشترك بينهم أنهم يستثمرون فى مصر، وبعضهم يحرص على قضاء وقت طويل فى بيوت يتملكونها فى مصر منذ سنوات.
النقطة المهمة الأخيرة، أن الأجيال تغيرت، لم يعد فى الكويت أو غالبية دول الخليج من المسئولين الآن من درس فى مصر، مثلما كان الحال. بالنسبة للأجيال القديمة التى إما رحلت أو اعتزلت العمل السياسى والعام.
المطلوب منا فى مصر ألا نبكى على اللبن المسكوب وألا نظل نتحدث عن الماضى فقط رغم كل أهميته. علينا أن نفهم الواقع جيدا وندرسه بدقة، ونعيد بناء علاقاتنا مع الأشقاء على أسس ثابتة ومستمرة، جوهرها الشراكة التى تعود بالنفع على الجميع.ولدينا سفير مصرى متميز فى الكويت هو أسامة شلتوت وسفير كويتى على أعلى مستوى من التميز ومحب جدا لمصر هو غانم صقر الغانم.
نريد إعادة تنشيط للعلاقات المصرية الكويتية على أسس جديدة وصحيحة، خصوصا أن أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح ينتظر أن يزور القاهرة قريبا جدا فى أول زيارة لأمير كويتى على مستوى ثنائى منذ سنوات طويلة.
حمى الله مصر والكويت وسائر الشعوب العربية.