بقلم - عماد الدين حسين
هل التعويم الكامل للجنيه المصرى أمام الدولار وسائر العملات الأجنبية سيحل مشكلة الاقتصاد المصرى فورا، كما يعتقد بعض الخبراء، أم أن الأمر شديد التعقيد ويتطلب منظومة كاملة من السياسات المختلفة، ورؤية شاملة على المدى القصير والمتوسط والطويل لمعالجة مختلف التشوهات فى الاقتصاد المصرى؟
هذا سؤال محورى ويتردد كل يوم بطرق مختلفة بين الخبراء والمسئولين وعلى المنصات والمواقع الاقتصادية المختلفة.
بالطبع صندوق النقد الدولى وسائر منظمات التمويل الدولية توصى دائما بترك العملات لقوى العرض والطلب حتى تتحدد قيمتها الفعلية، لكن هذا التصور أقرب إلى منطق «لا تقربوا الصلاة»؛ لأنه يغفل أن ذلك ينجح إذا كانت كل الظروف والأجواء والأوضاع مواتية، وليست شديدة الاختلال.
أيضا فإن خبراء الاقتصاد حينما يتحدثون فى الجانب الفنى فقط، فإنهم يوصون دائما بتوحيد سعر الصرف، واعتماد سعر صرف واحد فقط تحدده ظروف وأوضاع السوق، والكلام السابق يعنى ببساطة تعويم العملة حتى تتحدد قيمتها على أساس حقيقى فى السوق.
وكلام هؤلاء الخبراء صحيح جدا على المستوى النظرى، لكن حينما نعرف كامل الصورة نكتشف أن ذلك يصعب تحقيقه من دون شروط موضوعية كاملة، ومن دون معالجة جميع أوجه المنظومة الاقتصادية.
كان الله فى عون الحكومة وهى تتعامل مع هذه الأوضاع منذ بدايات أزمة كورونا، مرورا بكارثة الحرب الروسية الأوكرانية، وصولا إلى الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة.
ينسى غالبية الخبراء أن الحكومة المصرية حررت أو عومت الجنيه المصرى أمام الدولار جزئيا فى ٣ نوفمبر ٢٠١٦، حينما قفز سعره من ثمانية جنيهات إلى ٢٠ جنيها قبل أن يستقر عند متوسط ١٥ جنيها، وظل فى هذا النطاق مستمرا حتى ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، حينما عومت الحكومة الجنيه جزئيا ليقفز إلى حوالى ٢٢ جنيها، ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، وانسحبت ٢٢ مليار دولار من الأموال الساخنة من السوق المصرية خلال شهر مارس من ٢٠٢٢ بعد أن بدأت البنوك الأمريكية والغربية ترفع سعر الفائدة بوتيرة مستمرة بحيث إنها قفزت من حاجز الصفر لتقارب مستوى ٦٪، وبالتالى هربت الأموال الساخنة من كل الأسواق الناشئة ومنها السوق المصرية بحثًا عن سعر الفائدة المرتفع فى البنوك الغربية المستقرة.
بعد هذا التطور كان منطقيا أن يلجأ البنك المركزى المصرى لتعويم جزئى آخر للجنيه أمام الدولار اعتقادًا أن ذلك سيحل المشكلة، وأعقبه أو رافقه رفع سعر الفائدة أكثر من مرة ظنا أن ذلك سوف يدفع حائزى الدولار إلى تحويله إلى الجنيه المصرى وإيداعه فى البنوك المصرية، للحصول على العائد المجزى بعد رفع سعر الفائدة.
لكن المشكلة الحقيقية أن استمرار التعويم مع رفع أسعار الفائدة لم ينجح فى جذب الدولارات سواء من المصريين بالخارج أو الأموال الساخنة، أو الاستثمارات الأجنبية أو المحلية المباشرة إلا بنسب قليلة جدا، لا تتناسب مع المطلوب.
وبالتالى كان منطقيا أن يعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر الشباب فى برج العرب بالإسكندرية فى 14 يونيه الماضى، أن هذا الاتجاه تم التوقف عنه. ويومها قال نصا: «وانت بتقرب من سعر الصرف علينا الانتباه كى لا ندخل فى أزمة فوق الخيال، نحن نتمتع بمرونة فى سعر الصرف، لكن عندما يتعرض الأمر لأمن مصر القومى والشعب المصرى يضيع فيها لأ، عندما يكون تأثير سعر الصرف على حياة المصريين وممكن يضيعهم إحنا منقعدش فى مكاننا».
وظنى أن هذا هو قرار صحيح لأنه لو تم ترك الجنيه محررا ومعوما بالكامل من دون ضمان وجود دولارات فى البنوك لتلبية الطلب المتنامى عليها، فإن أسعار الدولارات قد تقفز إلى معدلات لا يتصورها عقل.
وبالتالى يصبح المنطقى هو النقاش الجاد والفعلى والحكيم حول كيفية توفير الدولارات وضمان وجودها واستمرار تدفقها للسوق، وبعدها أو حتى بالتزامن معها يمكن أن يتم التعويم الكامل أو المدار لكن قبل ذلك فإن الدوامة قد تستمر ويصعد الدولار لمستويات خيالية من دون أن يتوافر فعليا.
السؤال: وما هو الطريق الصحيح لتحقيق ذلك؟ هل تكفى المبادرات الحكومية فقط أم أن الأمر يتطلب أولا استعادة ثقة الناس لتعود إلى ضخ الدولارات فى شرايين الاقتصاد المتيبسة؟