بقلم - عماد الدين حسين
«شر البلية ما يضحك»..
صحيفة ليبراسيون الفرنسية نشرت تقريرا يوم السبت قبل الماضى يقول إن الجيش الإسرائيلى يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعى لشن عدوانه الشامل على قطاع غزة.
التقرير مهم وسأحاول أن أشير إلى أهم ما ورد فيه، وبعدها نعود إلى محاولة الفهم والتعليق.
المعلومات المنشورة جاءت نقلا عن صحيفة «جيروزاليم بوست»، إضافة إلى تحقيق استقصائى نشرته مواقع إلكترونية يسارية إسرائيلية للناشط الاسرائيلى إبراهام يوفال، وتقول إن الجيش الإسرائيلى يدعى أنه يستخدم ٣ خوارزميات فى حربه ضد غزة هى «الكيميائى» و«الإنجيل» و«عمق الحكمة» ونظام رابع يطلق عليه «مصنع الإطفاء».
هذه الخوارزميات تستخدم لتحليل عدد من البيانات الاستخبارية وتقدير تأثيرات الخيارات العسكرية المختلفة بسرعة.
الخيار «الإنجيل» يقترح أهدافا أكثر صلة بالهجوم فى محيط معين، فى حين أن «مصنع النار» يستخدم لتحسين خطط الهجوم للطائرات والمسيرات، كما أن هذه الخوارزميات تكون مسئولة عن حساب كمية الذخيرة اللازمة.
على ذمة «ليبراسيون» فإن أنظمة الذكاء الاصطناعى يقوم عليها مشغلون يجب عليهم التحقق والموافقة على الأهداف وخطط الغارات، بما يعنى أن هذه الأنظمة لن تتخذ قرارا مباشرا بإطلاق النار، رغم أن جزءا من العملية سيكون آليا.
على ذمة التقرير فإن صواريخ إسرائيل ضد غزة ليست عشوائية «فعندما تقتل فتاة فى الثالثة من عمرها فى منزل بغزة فذلك لأن قائدا فى الجيش الإسرائيلى قرر أن موتها ليس مهما».
وعلى عهدة وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن الجيش الإسرائيلى يعرف حجم الأضرار الناتجة عن قصف كل منزل.
وكما تقول «ليبراسيون» فإن استخدام هذه الحلول التكنولوجية يفسر كيف أن الجيش الإسرائيلى تمكن من قصف غزة بهذه الوتيرة المحمومة، وأن خوارزمية «الإنجيل» مثلا هى التى سمحت له تلقائيا بتحديد أهداف بوتيرة سريعة جدا. فهى تسجل له كل يوم ١٠٠ هدف للقصف، فى حين أن الجيش قبل ذلك كان يحدد ٥٠ هدفا سنويا فقط فى كل غزة. وحسب وصف ضباط جيش إسرائيليون سابقون فإن هذه الخوارزمية عبارة عن«مصنع اغتيالات جماعية».
انتهى اقتباسى من صحيفة ليبراسيون وقد حرصت أن يكون طويلا حتى يكون واضحا أمام القارئ العربى.
والآن هناك مجموعة من الملاحظات المهمة على هذا التقرير شديد الخطورة.
الملاحظة الأولى أنه إذا كان هذا العدوان الوحشى غير المسبوق هو ترجمة وتطبيق للذكاء الاصطناعى، فكيف كان سيكون الحال لو تم تطبيق «الغباء الطبيعى»، وهل كان سيتم قتل كل الفلسطينيين منذ عصر يوم السابع من أكتوبر بعد ساعات قليلة من عملية «طوفان الأقصى» الفلسطينية؟!
الملاحظة الثانية: أن الجيش الإسرائيلى كان يتباهى دائما بأن له عيونا وآذانا فى كل ركن من غزة والضفة، وأنه كان يستطيع الوصول لكل هدف خصوصا قادة المقاومة فى بيوتهم ومكاتبهم. الآن وفى ظل الذكاء الاصطناعى فإن حصيلة الضحايا فى العدوان المستمر منذ شهرين حوالى عشرين ألف قتيل و٤٠ ألف مصاب وتدمير ٦٠٪ من مساكن قطاع غزة وتشريد ١٫٣ مليون فلسطينى فى شوارع القطاع، وتحويل غزة بأكملها إلى مكان غير صالح للحياة بعد تدمير كل البنى التحتية والحصار الخانق على القطاع بحيث لا يتم السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلا بالقطارة. والسؤال مرة أخرى: إذا كان هذا هو الذكاء الاصطناعى فهل هو قادر على تحديد أماكن قادة المقاومة، أم أن ما حدث كان تدميرا ممنهجا لكل غزة وتسويتها بالأرض لأنه لا يعقل أن يكون أفراد وقادة المقاومة موجودين فى نصف مبانى القطاع وإذا صح ذلك، فهم يمثلون غالبية الشعب الفلسطينى، وليس مجرد عدد قليل كما تزعم إسرائيل وأنصارها فى الغرب.
الملاحظة الأخيرة: هى أنه من مطالعة الخسائر الفلسطينية البشرية والمادية فإن جوهر ما حدث هو ابادة جماعية وتدمير كامل للقطاع وعلينا أن نتذكر كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى بداية العدوان مباشرة حينما قال: «لن تعرفوا شكل قطاع غزة بعد الآن».
وختاما فإنه بعد هذا العدوان فلم يعد يحق لإسرائيل أن تقول إن جيشها محترف وأخلاقى وإنسانى وأنه يطبق قواعد الاشتباك العسكرية العالمية.
ما نراه فى غزة الآن يقول بوضوح كما انتهى تقرير «ليبراسيون» الفرنسية إن الجيش الإسرائيلى تحول إلى «مصنع اغتيالات جماعية»، ولابد من جهد لا يتوقف من أجل محاكمة هؤلاء القتلة أمام المحاكم الدولية طال الزمن أو قصر.