بقلم - عماد الدين حسين
التعميم خطأ قاتل فى كل شىء. حتى فيما يتعلق بالإسرائيليين. قد يكون معظمهم متطرفون ويساندون استمرار الاحتلال ويتمنون تهجير الفلسطينيين أو قتلهم. لكن هناك قلة لا يزال ضميرها حيًّا وبصيرتها ثاقبة وترى الصورة واضحة وأن المشكلة هى الاحتلال وليس المقاومة.
من بين هؤلاء جاكى خورى محرر الشئون العربية والفلسطينية فى صحيفة هاآرتس الإسرائيلية، الذى كتب يوم الإثنين قبل الماضى مقالا مهما فى صحيفة هاآرتس الإسرائيلية لفت فيه النظر إلى القمع المنظم الذى يمارسه المستوطنون ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية المحتلة فى وقت ينشغل فيه الجميع بالعدوان على قطاع غزة الذى تم استئنافه، أمس، بعد هدنة استمرت عشرة أيام.
ولأهمية المقال سوف أعرض منه فقرات واسعة منه حتى ندرك جميعا خطورة ما يفعله المستوطنون فى الضفة الغربية.
خورى يقول إن الحرب فى غزة جنوبا منذ 7 أكتوبر، وتبادُل إطلاق النار شمالا على الحدود اللبنانية، يحظيان بأكبر قدر من الاهتمام فى إسرائيل. لكن بين الشمال والجنوب، تدور حرب أُخرى تنطوى على إمكان اشتعال وتداعيات لا تقل خطرا.
فوفق وزارة الصحة فى رام الله، منذ بداية الحرب، وحتى منتصف الأسبوع قبل الماضى قُتل 210 أشخاص، وجُرح أكثر من 2800. فى إسرائيل، يقولون إن العدد الأكبر من القتلى «من المطلوبين المتورطين بالإرهاب»، لكن المجتمع الفلسطينى لا يفرّق بينهم، ويعتبر كل حادثة قتل خطوة إضافية نحو التصعيد فى شتى أنحاء الضفة. وحتى قبل الحرب، وقعت حوادث فى شمال الضفة فى نابلس وجنين، ومنذ 7 أكتوبر، لا توجد مدينة، أو مخيم لاجئين، لم يشهدا مواجهات واشتباكات.
بالإضافة إلى ازدياد عدد القتلى والجرحى، نشهد ارتفاعا دراماتيكيا فى عدد المعتقلين، بما فى ذلك القدس الشرقية التى وصل عدد المعتقلين فيها إلى أكثر من 3000 معتقل. وتشير إدارة الأسرى الفلسطينيين إلى أن هذا العدد الكبير خلال فترة زمنية قصيرة، لم تشهد مثيلا له منذ الانتفاضة الثانية. لقد وُجهت أوامر اعتقال إدارى ضد أغلبية المعتقلين.
يجب أن نضيف إلى ذلك، الهجمات اليومية التى يقوم بها المستوطنون الذين يفرضون وقائع على الأرض، ويضايقون الفلسطينيين على الطرقات وفى الأراضى الزراعية، بدعم من الحكومة. وبخلاف غزة ولبنان، حيث تواجه إسرائيل عدوّين محدّدين، فإن الصورة فى الضفة أكثر تعقيدا بكثير.
تقوم إسرائيل بعمليات إحباط واعتقالات فى عمق المدن الفلسطينية، وفى مخيمات اللاجئين، تشمل إدخال وسائل قتالية جديدة، مثل إطلاق النار من الجو، والقتال ضد مسلحين موجودين وسط السكان، يحظون بتقدير كبير منهم على صعيد الوعى، وخصوصا وسط جيل الشباب.
وفى الواقع، إن جزءا من القتلى والمطلوبين ينتمى إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ويتماهى مع «فتح»، الحركة السياسية التى تنتمى إليها أغلبية القيادة فى السلطة الفلسطينية، التى كانت الأغلبية فى إسرائيل تعتبرها، حتى قبل الحرب، لاعبا لا أهمية له، وفجأة، بدأوا يذكرونها كبديل افتراضى فى اليوم التالى للحرب.
لا تملك إسرائيل خطة لليوم التالى للحرب فى غزة، وباستثناء «تدمير حماس»، هى لا تعرف مَن سيحكم القطاع. لكن يجب أن نتذكر أن الوضع فى الضفة لا يقل خطورةً وتعقيدا. فى إسرائيل، يستطيعون الاستمرار فى سحق القطاع، تحت شعار «ملاحقة «حماس»، وحراثة الضفة، تحت شعار «محاربة الإرهاب»، لكن فى هذه الأثناء، يجب أن نفهم أنه باستخدام القوة ومزيد من القوة، لن يبقى أفق لأى طرف. بسقوط كل قتيل، سينمو جيل شاب من الفلسطينيين الذين يعتبرون أنفسهم مقاتلين، دفاعا عن الحرية، وسينضمون إلى الصراع ضد إسرائيل.
أى حسم، أو تقليص لأموال الضرائب التى تستخدمها إسرائيل كحركة عقابية، سيدق مسمارا جديدا فى نعش السلطة. أى مصادرة للأراضى من أجل بناء بؤرة استيطانية، وكل إغلاق، أو حصار، وكل تقليص لمجال الحياة المدنية، سيغلق نافذة الأمل بالتغيير. وبعد أكثر من شهر ونصف على الحرب، يجب على أحد ما فى إسرائيل أن يدرك أن مزيدا من الهجمات والقوة، سيؤدى فقط لزيادة الغضب والإحباط وسط جيل آخر من الفلسطينيين.
فى إسرائيل، يكثرون من الحديث عن 7 أكتوبر، كصدمة ستؤدى إلى تغيير جوهرى، والسؤال ما هو التغيير الذى يريدونه؟.
إن المجتمع الذى يتطلع إلى تغيير من أجل الأفضل، يجب عليه النهوض من أزمته والتفكير فى الواقع. حتى بعد تدمير «حماس» وشلّ السلطة الفلسطينية، الشعب الفلسطينى لن يتبخر.
انتهى الاقتباس من جاكى خورى وللأسف فإن بعضنا عربيا لا يريد رؤية ما يراه بعض الإسرائيليين!!.