بقلم - عماد الدين حسين
أظن أن أحد النجاحات الأساسية التى حققها الحوار الوطنى ــ حتى قبل أن تخرج نتائجه ومخرجاته إلى العلن رسميا فى القريب العاجل ــ هى أنه ساهم فى بناء الجسور الحقيقية بين الحكومة والمعارضة، وجعل كل طرف يكتشف أنه يمكن التواصل والتناقش والتحاور والتفاهم حتى فى ظل وجود خلافات كثيرة بينهما فى العديد من القضايا.
نتذكر أنه بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ولأسباب كثيرة أهمها تحديات العنف والإرهاب والفوضى الشاملة فقد تكلست الحياة السياسية، وانفض تحالف ٣٠ يونيو الذى أطاح جماعة الإخوان وأخرجها من السلطة والمشهد السياسى برمته. وظل هذا المناخ مستمرا حتى دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الحوار الوطنى فى إفطار الأسرة المصرية فى ٢٦ أبريل ٢٠٢٢. الحوار بدأ تنظيميا بأول اجتماع لمجلس الأمناء فى الأسبوع الأول من شهر يوليو من العام الماضى، وعقد هذا المجلس أكثر من ٣٠ اجتماعا رئيسيا فى الأكاديمية الوطنية للتدريب، قبل أن تبدأ الجلسات العامة الفعلية ثم التخصصية. كثيرون لا يدركون وربما يتجاهلون أن هناك جسورا حقيقية صارت موجودة وقائمة بين الحكومة والمعارضة، وهذا لا يعنى مرة أخرى أن الخلافات والاختلافات اختفت ولم تعد قائمة، بل هى موجودة، ولكن أصبح هناك نضج إلى حد كبير فى المجتمع، وجلس الجميع تحت سقف واحد وفى قاعة واحدة لشهور طويلة واكتشفوا أنه يمكن التواصل والتناقش والتفاهم حتى مع استمرار الخلافات.
ليس سرا أن الجلسات الأولى لمجلس الأمناء شهدت نقاشات حادة وعاصفة، وصلت إلى الصراخ فى بعض الأحيان بين بعض الأعضاء، لكن الجميع صاروا أصدقاء، ويستمعون لبعضهم البعض باحترام وتقدير وتفهم. هذا الأمر لم يكن قاصرا على أعضاء مجلس الأمناء من المؤيدين والمعارضين والخبراء، بل أصبح موجودا بين القوى والأحزاب السياسية والمجتمعية التى يمثلها هؤلاء.
بموازاة الاجتماعات التنظيمية جرت لقاءات متعددة بين الدولة والأحزاب والقوى السياسية، بعد غياب طويل. انطلقت عملية إفراج واضحة عن المئات من مسجونى الرأى تقول تقديرات إن عددهم زاد عن ١٥٠٠ شخص. بل إن بعض هؤلاء خرج من السجن ليشارك فى جلسات الحوار الوطنى، والبعض صار مسئولا عن إدارة جلسات فى الحوار.
المنسق العام ضياء رشوان والمستشار محمود فوزى رئيس الأمانة الفنية بذلا جهدا كبيرا فى التواصل مع العديد من القوى السياسية والفكرية والحقوقية، بل إنهم التقيا مع قوى لم تتحدث معها الدولة مطلقا منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ومع حقوقيين لم يكن يظن أحدا أن يتواصلوا مع الدولة وأجهزتها، وتصبح بينهما قنوات حوار ساهمت فى حل الكثير من المشكلات والأزمات وربما تساهم فى المزيد فى الفترات المقبلة. كل هذه الأمور مرة أخرى لا تعنى أن المشكلات اختفت والخلافات تلاشت، لكن المعنى الأساسى أن التواصل والنقاش والتفاهم لعب دورا مهما فى تذويب الخلافات وبناء جسور ومساحات مشتركة، يمكن إذا تواصل أن تساهم فى تحديد أولويات العمل الوطنى وحل بعض المشكلات والأزمات المختلفة. لا يدرك كثيرون أن المعارضة داخل الحوار الوطنى سواء فى مجلس الأمناء أو جلسات الحوار العامة والمتخصصة قد تناقشت بقلب وعقل مفتوحين ووافقت على كل المخرجات والتوصيات التى تم رفعها للرئيس عبدالفتاح السيسى. وبالتالى فنحن بصدد توصيات توافقية حقيقية يمكن القول إنها تمثل غالبية المجتمع.
وأظن أنه حينما يتم تنفيذ التوصيات سواء فى صورة إجراءات تنفيذية من الحكومة أو تشريعات من البرلمان، فسوف يلمس الجميع أن الحوار الطنى حقق نقلة حقيقية، وهى بالطبع نقلة لن تحقق المعجزت، لكنها قد تفتح بابا للأمل، إذا خلصت النوايا من الجميع.