بقلم - عماد الدين حسين
مصرى متطور من العدوان الإسرائيلى على غزة وأن تكون هناك رسالة مصرية واضحة لكل من يهمه الأمر فى تل أبيب وواشنطن وعواصم أوروبا الكبرى بأن مصر ترفض تماما تنفيذ التهجير القسرى من غزة لسيناء، لتصفية القضية الفلسطينية، وأن الأوراق فى يد مصر كثيرة، ويخطئ من يتصور أنه يمكن تجاوزها والإضرار بها.
بدأت بهذه الإشارة لمناقشة قضية مهمة وهى ضرورة تحكيم العقل مع العاطفة، حتى لا يتصور البعض أننى أمهد أو أروّج للاستسلام أو الانهزام، وخوفا من أى سوء فهم فقد أجلت نشر هذا المقال من الأسبوع الماضى، وطلبت من زملائى، مديرى التحرير، الأساتذة طلعت إسماعيل وأشرف البربرى ومحمد سعد عبدالحفيظ ، أن يقرأوه ويبدوا ملاحظاتهم خوفا من سوء الفم والالتباس.
الموضوع باختصار هو أن يكون لدينا موقف قوى وحاسم جدا من العدوان الإسرائيلى لكن فى نفس الوقت مع ضرورة أن نتحلى بالعقل والهدوء والحكمة والتروى فى كل الأوقات، حتى لا نجد أنفسنا أسرى وضحايا حسابات خاطئة.
وحتى يكون كلامى واضحا ومفهوما بصورة صحيحة، فأنا من أولئك الذين يرون الصراع مع إسرائيل صراع وجود وليس صراع حدود كما قال الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر. وأنا من الذين أمضوا جزءا كبيرا من حياتهم المهنية فى صحف ناصرية، وحياتهم السياسية فى أحزاب ناصرية كان الصراع مع إسرائيل والتصدى لها يمثل جانبا كبيرا من عملها.
وأنا أيضا من الذين يرون أنه وسط هذا العدوان البربرى هناك ميزة مهة وهى أن الأجيال العربية الجديدة اكتشفت بسهولة حقيقة هذا العدو الصهيونى العنصرى والقوى الغربية التى تدعمه.
أعود إلى ما بدأت به وأقول إنه من الطبيعى أن ننفعل ونتحمس ونتعاطف بأقصى درجة مع الشعب الفلسطينى الشقيق فى محنته، ونفكر فى كل أنواع الدعم والمساعدة المطلوبة، وتقديم كل أنواع المساعدات فى ضوء ظروفنا الراهنة. لكن ونحن نفعل ذلك علينا أن ندرس كل خطوة بتفاصيلها المتعددة.
المساندة الحقيقية للأشقاء تكون بالعقل والمنطق والأخذ بالأسباب، وليس فقط بالاندفاع والتهور الذى قد يؤدى إلى خسائر وأضرار غير مرئية الآن.
مرة أخرى ــ وتحسبا للذين يصطادون الكلمات بعيدا عن سياقها ــ فإننى أقصد بوضوح أن نسعى لدعم الأشقاء فى غزة وسائر فلسطين بكل أنواع الدعم المطلوب فى ضوء إمكانياتنا. أقول ذلك لأن هناك أصواتا بدأت تعلو وتقول ولماذا لا نفتح الحدود ونعلن الحرب على إسرائيل فورا لنردعها ونوقفها عند حدودها بعد أن عاثت تقتيلا وتدميرا فى غزة.
طبعا كل الاحترام والتقدير والتفهم لهذه الأصوات الوطنية والقومية، لكن هناك أصواتا أخرى مماثلة تدعو لنفس الأمر، لكن من أجل توريط مصر فى قرارات صعبة غير مدروسة.
أعود للمرة الثالثة وأقول إننى لا أدعو إلى تثبيط الهمم أو إدخال اليأس فى قلوب الناس، ولكن أدعو إلى الهدوء والتروى وأن يكون العقل والمنطق مصاحبا للعاطفة والحماس. وأن نناقش كل الخيارات طبقا للمعلومات والحقائق على الأرض، حتى نتخذ القرار الصحيح فى ضوء كل الظروف والأحوال المحيطة.
دعوتى أن ندرس الواقع أمامنا، ونعرف خريطة الأصدقاء من الأعداء، ومن معنا ومن ضدنا، ومن الذى يتكلم كلاما كبيرا، لكن قلبه ليس على قلبنا، بل مع الآخرين، ومن الذى يمكن أن يدعمنا فعلا، وماذا يخبئ لنا الأعداء خصوصا أنهم كشفوا جميعا عن وجوههم الكالحة والمشوهة والعنصرية والتآمرية؟!!
علينا قبل أن نتخذ أى قرار أن ندرس ونعرف سر أن بعض القوى والدول التى تدعو للحرب، لا تتحرك ولا تدعم، بل تطلق شعارات وتصريحات نارية فقط؟!!
علينا ألا نكرر ما فعله بعض المزايدين العرب مع جمال عبدالناصر فى مايو ١٩٦٧، حينما اتهموه بالجبن والتخاذل واضطروه لإغلاق المضايق، ولم يكن مستعدا لمحاربة إسرائيل فكانت الهزيمة الكاسحة.
كل ما أطلبه أن نتحمس ونتعاطف مع الشعب الفلسطينى بكل الطرق، لكن أن نرى الصورة كاملة وخريطة القوى فى المنطقة، وخريطة التحالفات السرية والعلنية، والمخاطر التى تحيط بنا والمكائد والفخاخ التى تنصب لنا.
إذا فعلنا كل ذلك ودرسناه وفهمناه، يمكننا وقتها أن نتخذ القرار الصحيح، خصوصا أن المؤامرة علينا لم تعد مخفية، بل علنية.
لدينا خيارات كثيرة جدا من أول الشجب والتنديد مرورا بالمساعدات الإنسانية وسحب السفير وقطع العلاقات نهاية بأن أى مساس بأمننا القومى يعنى أنه لن يكون أمامنا إلا القتال.