أين ذهبت الأموال الضخمة التى دخلت مصر بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣؟!
هذا السؤال كان يطرحه كثيرون بعضهم بحسن نية رغبة فى المعرفة والفهم، وبعضهم بسوء نية للتشكيك والتربص.
لكن من الواضح أن الدولة وأجهزتها المختلفة لم تقدم إجابة شافية واضحة عن هذا السؤال طوال السنوات الماضية وخصوصا بعد ظهور الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى ضربت البلاد بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية فى فبراير ٢٠٢٢ وهروب الأموال الساخنة وارتفاع التضخم وانهيار قيمة الجنيه ليهبط إلى ٥٠ جنيها مقابل الدولار.
الرئيس عبدالفتاح السيسى قدم إجابة رسمية عن هذا السؤال صباح يوم الإثنين قبل الماضى خلال افتتاح المرحلة الأولى من المنطقة الصناعية وبدء موسم الحصاد فى مشروع التنمية المستدامة بـ «مستقبل مصر» على محور الضبعة.
الرئيس السيسى قال: فيه ناس «كتير» تسأل ليه تعملوا محور الضبعة؟، وتصوروا أنه بهدف خدمة سكان الساحل الشمالى والعلمين.
وهذا لم يكن صحيحا بالمرة، بل كان من أجل الزراعة والصناعة وخدمة السياحة أيضا.
سأل الرئيس أيضا: هل كان لدينا أى خيار آخر غير إقامة مثل هذه المشروعات الزراعية؟!
الإجابة كما يقول الرئيس هى لا:
الرئيس شرح الفكرة بقوله إنه لم يكن ممكنا استصلاح الأراضى الصحراوية وزراعتها من دون تنفيذ البنية التحتية للطرق والمرافق الأساسية لها، فالهدف من عمل شبكة الطرق لخدمة الطرق الزراعية هو خدمة مشروعات مستقبل مصر للتنمية المستدامة، فتكلفة الفدان ٤٠٠ ألف جنيه للبنية الأساسية التى يتم عملها بشكل مركزى حتى خروج المشروع للنور، ومن دون هذه الطرق كيف كان لأصحاب المشروعات أن ينقلوا إنتاجهم مثلا حتى تصل للأسواق؟!!
أما تكلفة الفدان فى الأرض الزراعية العادية فهى لا شىء، وهذه الأرض الطينية السوداء تتآكل بفعل الزحف العمرانى، ولم يكن أمامنا إلا استصلاح الأرض الصحراوية.
نقطة جوهرية مهمة أشار إليها الرئيس السيسى فى الإجابة عن سؤال أين ذهبت الأموال، وهى مشروعات المياه سواء للتحلية أو المعالجة الثلاثية، أو إعادة تدوير مياه الصرف الزراعى. التفسير أن المياه التى تأتى من أسوان عبر نهر النيل تأتى بميل طبيعى بالتدفق الحر من الشمال للجنوب، ولم تنفق الدولة إلا على شق الترع الفرعية، لكن الآن فإن الحصول على المياه يأتى بطريقة عكسية من محطات رفع عديدة تم إنشاؤها بتكلفة كبيرة بهدف استصلاح 4 ملايين فدان، وبالتالى احتجنا إلى إنشاء محطات رفع ومحطات كهرباء وشق ترع وشبكة الطرق.
يقول الرئيس إنه على سبيل المثال فإن محطة الرفع التى تأتى من رشيد طولها ١٣٠ كيلومترا، ثم الأموال الضخمة اللازمة لإقامة محطات معالجة مياه الصرف الزراعى للتخلص من المواد الضارة بها وكذلك معالجة تحدى ارتفاع نسبة الملوحة. ثم الأموال الكثيرة لنظم الرى الحديثة حتى نقلل من كميات المياه، وبالتالى تقليل التكلفة على المدى البعيد، مشيرا فى هذا الصدد إلى أهمية وفائدة الرى بطريقة «الهيدروبونيك» الموفرة للاستهلاك.
الرئيس قال إنه لم يكن هناك أى خيار آخر غير إنشاء محطات الرفع ونقلها للأرض الزراعية المستصلحة، وهو ما كلف الدولة ٣٠٠ مليار جنيه. وهناك أيضا ١٩٠ مليار جنيه تكلفة تنفيذ مشروعات لإدارة وتحلية المياه. وبالتالى فقد تم إنفاق مبالغ ضخمة لتوفير 6 مليارات متر مكعب من المياه من خلال محطات الرفع الثلاثية فى بحر البقر أو المحسمة أو الحمام باعتبارها البديل لتعويض نقص المياه الذى تعانى منه مصر.
حسب كلام الرئيس فإن كل هذه المشروعات تمت بعد استشارة العلماء والخبراء وعدم إنشائها كان سيؤدى إلى خراب البلاد. كل محطات الرفع كانت أولية، والآن فقد جرى تطويرها لتصبح ثلاثية وهو ما احتاج أموالا طائلة.
ما سبق هى المعلومات والأفكار الأساسية التى عرضها الرئيس السيسى، وأظن أنها واضحة لمن شاهد بالعين المجردة هذه المشروعات على أرض الواقع خصوصا شبكة الطرق والجسور ومشروعات المياه والكهرباء. وكلها تحتاج بالفعل إلى مبالغ ضخمة والحمد لله أنه تم تنفيذ معظمها قبل زيادة سعر الدولار إلى المستويات الفلكية التى شهدناها ووصلت فى بعض الأحيان إلى مستوى الـ ٧٠ جنيها.
أقترح على كل الجهات المشاركة فى مشروعات الدولة خصوصا فى البنية الأساسية أن تقدم للمواطنين المعلومات الكاملة والمفصلة، بمعنى أن نقول لهم إن المشروع الفلانى تكلف كذا وكذا وأن الإنفاق المحلى والمساعدات والمعونات التى تلقتها الدولة من ٢٠١٣ حتى الآن بلغت كذا وإجمالى المشروعات تكلف كذا، وبالتالى فالحساب هو كذا.
أظن أن مثل هذه الفكرة وعرضها بأمانة وأرقام محددة كفيلة بإسقاط أى مشكلة وتريح بال الحكومة من الهجوم الدائم عليها بأنها ضيعت الفلوس على مشروعات وهمية.