بقلم - عماد الدين حسين
يوم الجمعة قبل الماضى أصدر البرلمان الأوروبى بيانا ينتقد فيه ما اعتبره انتهاكا لحقوق الإنسان فى مصر وتكميما لحرية الرأى والتعبير.
وفى اليوم التالى نفذت المقاومة الفلسطينية عملية نوعية غير مسبوقة ضد مواقع عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلى ومستوطناته، فانتفضت غالبية العواصم الأوروبية ومعها الولايات المتحدة للتضامن مع إسرائيل، ونددوا بما أسموه «الإرهاب والإرهابيين الفلسطينيين»، مؤكدين دعمهم الكامل لإسرائيل.
لا أعتقد أن هناك تناقضا وازدواجا فى المعايير ونفاقا أكثر مما تفعله الولايات المتحدة وأوروبا وكل الدول الداعمة لإسرائيل.
الموقف الأمريكى كان هو الأكثر انحيازا لإسرائيل، وبادر الرئيس الأمريكى جو بايدن بالاتصال برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بعد العملية مباشرة، مؤكدا استعداد بلاده لتزويد إسرائيل بكل ما تحتاجه للانتصار فى هذه المعركة وأعلن إرسال حاملتى طائرات لإسرائيل محذرا أى دولة من دعم المقاومة. وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستر زار إسرائيل وأكد أن الجيش الأمريكى سيضمن حصول إسرائيل على كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها. أما وزير الخارجية أنتونى بلينكن فقد زار إسرائيل وقال إنه جاء باعتباره يهوديا لدعم إسرائيل فى محنتها.
ونفس المنطق ينطبق إلى حد كبير على أوروبا، إذا قال رئيس المجلس الأوروبى شارل ميشيل إن الاتحاد الأوروبى يقف متضامنا مع إسرائيل فى هذه اللحظة «المروعة».
وبدوره قال جوزيب بوريل مسئول السياسة الخارجية فى الاتحاد: «ندين بشكل لا لبس فيه هجمات حماس، ويجب أن يتوقف هنا العنف المروع». ولا أعرف لماذا لم يدر فى خلد كل من ميشيل وبوريل اللحظات المروعة التى يعيش فيها الفلسطينيون منذ عام ١٩٤٨ حتى عام ١٩٦٧، ولماذا لا يطالبون إسرائيل بوقف العنف المروع ضد الفلسطينيين؟!
الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون قال: «نتضامن تماما مع الضحايا وعائلاتهم، ونتمسك بأمن إسرائيل!».
ولا أعرف لماذا لا يتضامن ماكرون مع ضحايا العدوان الإسرائيلى المستمر على الفلسطينيين، رغم أنه يحاضرنا كل يوم عن حقوق الإنسان؟
وزير الخارجية البريطانية جيمس كليفرلى قال إن بلاده ستساند على الدوام حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، وسافر فورا إلى الأرض المحتلة للتضامن بشكل عملى. وموقف بريطانيا منطقى وطبيعى فهى التى زرعت إسرائيل فى المنطقة ودعمتها طوال الوقت.
ونفس المنطق كررته الحكومة الإيطالية مدينة ما أسمته «الترهيب والعنف ضد المدنيين الأبرياء وأن هذا الترهيب لن ينتصر أبدا». ولا نعرف أيضا لماذا لا تدين إيطاليا الترهيب الإسرائيلى المستمر كل يوم بحق المدنيين الفلسطينيين؟!
وزيرة الخارجية الألمانية أنالنيا بيربوك قالت إن بلادها تتضامن تماما مع إسرائيل وتؤكد على الذى يضمنه القانون الدولى فى الدفاع عن نفسها».
وطالبت وزارة الخارجية الهولندية بتوقف العدوان فورا.
أما أغرب إدانة فقد جاءت من أوكرانيا حيث استنكرت وزارة خارجيتها الهجمات المستمرة على إسرائيل، وأعربت عن دعمها لإسرائيل فى حقها فى الدفاع عن نفسها وشعبها.
ولا أستطيع أن أصف مدى الحماقة فى هذا البيان، فإذا كانت أوكرانيا تشكو من غزو واحتلال لأراضيها، فكيف تدافع عن إسرائيل وهى تحتل معظم أراضى فلسطين منذ عام ١٩٦٧؟!
وفى كندا قال رئيس الوزراء جاستين ترودو: «إلى أصدقائنا الإسرائيليين: الكنديون معكم. إن حكومتنا جاهزة لدعمكم». وأضاف أنه تخليدا لذكرى اليهود القتلى، فقد أمر بتنكيس الأعلام الوطنية لكندا على مبانى البرلمان فى أوتاوا، وإضاءة البرج الرئيسى لهذا المجمع بأضواء زرقاء وبيضاء ترمز إلى ألوان العلم الإسرائيلى!!!».
أما حلف شمال الأطلنطى الناتو فقال إن الإرهاب الفلسطينى تهديد جوهرى للمجتمعات الحرة ومن حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها.
ومن الغريب أن الحلف يتناسى أن القانون الدولى أدان الاحتلال الإسرائيلى للأراضى المحتلة منذ يونية ١٩٦٧، لكن قانون الغاب هو الذى يمنع تنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
من يتأمل تفاصيل المواقف الغربية من الانحياز الفج لإسرائيل سيدرك بوضوح لماذا تشعر غالبية الشعوب العربية والإسلامية بمشاعر عدائية تجاه السياسات الغربية، وربما يفسر ذلك أيضا الموقف الشعبى العربى غير المتعاطف مع الموقف الغربى فى أوكرانيا، بل وربما سر التعاطف مع روسيا.
ما قاله المسئولون الغربيون طوال الأيام الماضىة جدير بالتسجيل حتى يدرك الجميع مدى الانحياز الأعمى لإسرائيل على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى.
ختاما لا تلوم أوروبا والولايات المتحدة إلا نفسها حينما تتفاجأ بأجيال فلسطينية وعربية ومسلمة يائسة تماما، وهى تلجأ لكل الوسائل من أجل تحرير أرضها خصوصا أن القوانين الدولية التى وضعتها الدول الغربية تعطى كل شخص أو دولة احتلت أراضيها الحق فى الدفاع عن نفسها.