بقلم - عماد الدين حسين
هل تراجع الواردات المصرية بنسبة ٢٠٫٧٪ خلال الشهور الخمسة الأولى من هذا العام خبر جيد أم سيئ؟
بطبيعة الحال فإن أى تراجع فى الواردات لأى دولة هو أمر طيب وجيد ودليل صحة، شرط ألا يؤثر على النشاط الاقتصادى العام سلبا.
فى المعلومات والبيانات التى جاءت فى آخر تقرير للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فإن الواردات المصرية فى الشهور الخمسة الأولى من هذا العام سجلت ٣٣٫٤٢ مليار دولار فقط، مقابل ٤٢٫١٥ مليار دولار خلال نفس الفترة من عام ٢٠٢٢، بانخفاض قيمته ٨٫٧٣ مليار دولار بنسبة ٢٠٫٧٪.
وفى التفاصيل فإن أكبر نسبة استيراد لمصر خلال هذه الفترة جاءت من الصين بحوالى ٥ مليارات دولار، والولايات المتحدة ٢٫٤٤ مليار، وروسيا ٢٫٢٤ مليار، والسعودية ١٫٧٥ مليار، وألمانيا ١٫٦٢ مليار دولار. واستحوذت هذه الدول على ٣٨٫٧٪ من إجمالى قيمة الواردات إلى مصر.
من ضمن البيانات أيضا أن واردات مصر من الهواتف المحمولة تراجعت بنسبة ٩٩٫٦% خلال الشهور الخمسة الأولى من العام مسجلة ١٫٢٣ مليون دولار مقابل ٣٣٩٫٢٣ مليون دولار فى نفس الفترة من العام الماضى، كما انخفضت قيمة الواردات من أجهزة الاتصالات والسنترالات بنسبة ٤٫٧٪. علما بأن هذا التراجع مستمر منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية. أيضا هناك تقارير مستمرة تشير إلى تراجع استيراد السيارات بمختلف أنواعها طوال الشهور الماضية.
هذه هى البيانات الأولية ومرة أخرى فإن تراجع الواردات وزيادة الصادرات دليل صحة لأى اقتصاد طبيعى.
ويحسب للحكومات المصرية المختلفة أنها ومع بدء تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى انطلق فى ٣ نوفمبر ٢٠١٦، أنها اتخذت خطوات جادة لتقليل الواردات وزيادة الصادرات. وبالمناسبة فالنسبة بينهما حوالى الضعف تقريبا حيث تصل الواردات إلى حوالى ٩٠ مليار دولار مقابل حوالى ٤٥ مليار دولار.
هذا التوجه أدى إلى الحد من استيراد العديد من السلع غير الأساسية أو السماح باستيراد بعضها مع رفع الرسوم الجمركية عليها.
وظنى أن الحكومة المصرية كانت موفقة جدا حينما قررت الحد من استيراد العديد من السلع خصوصا الهواتف المحمولة، وهو توجه محمود لأنه أولا يوفر العملة الصعبة لاستيراد سلع أكثر أهمية وكذلك يشجع الصناعة المحلية.
وأتذكر أن أحد الخبراء الاقتصاديين المهمين يكرر على مسامعى دائما أن أخطر ما ارتكبه نظام حسنى مبارك أنه جعل الكثيرين يدمنون الاستيراد لدرجة أنه صار أرخص من التصنيع المحلى وأتاح لهم تكوين ثروات طائلة، وهؤلاء هم الذين يقاومون دائما الحد من الاستيراد. لكن أتذكر أيضا أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قال قبل شهور إننا لم نعد نستورد الكثير من السلع الكمالية أو غير الأساسية.
لكن ــ وآه من لكن ــ الحد من الاستيراد، وهو مرة أخرى أمر طيب، قد أثر بصورة شديدة السلبية على مجالات أخرى. خصوصا السلع الوسيطة أو مستلزمات الإنتاج. تخيلوا مثلا حينما تعثر استيراد الأعلاف بسبب شح العملات الأجنبية فإن هذه الصناعة الأساسية كادت تتدمر، لأننا باختصار نعتمد على الخارج فى استيراد معظم هذه الأعلاف. تخيلوا مثلا أن العديد من المصانع توقفت تماما أو فى طريقها لذلك والسبب أنها تعتمد بالأساس على خامات ومستلزمات مستوردة غير موجودة محليا.
ثم إن العديد من الموظفين الذين يقررون وقف استيراد سلعة ما غير متخصصين فى الاقتصاد، وبالتالى فهم يعتقدون أنهم يوفرون للبلد عملة صعبة بوقف الاستيراد، لكنهم لا يعلمون أن هذا الإجراء البرىء قد يدمر صناعة أخرى قائمة ويحول العاملين إلى عاطلين. وبالتالى أكرر مرة أخرى أنا مع وقف استيراد أى سلعة غير ضرورية، أو ضرورية ولها بديل محلى. لكن المشكلة الحقيقية تتمثل فى أن وقف استيراد المواد الوسيطة ومستلزمات الإنتاج أثر بصورة فادحة على بعض القطاعات.
واعلم أن الحكومة بين نارين.. نار الحد من الاستيراد لتوفير العملات الأجنبية، ونار منع مستلزمات إنتاج أساسية
وبالتالى علينا أن يكون لدينا ميزان من ذهب فى تقرير ما هى السلع التى يمنع استيرادها تماما، والسلع التى نستوردها باعتدال، حتى تقف الصناعة المحلية على قدميها. وطبعا الحل الأمثل أن نزيد الصادرات ونشجع الصناعة المحلية بكل قوة وأن تكون السياسات والتشريعات مشجعة ومسهلة للاستثمار والإنتاج والتصنيع قولا وفعلا.