بقلم - عماد الدين حسين
المقترحات التى قدمها الرئيس الأمريكى جو بايدن مساء الجمعة الماضية للتهدئة فى غزة عامة غامضة إلى حد كبير. وحتى مساء الجمعة لم يكن هناك نص مكتوب متاح لهذه المقترحات، التى قال بايدن إن الوسطاء العرب قدموها إلى حركة حماس.
وإلى أن نقرأ النص الكامل لهذه المقترحات فإن الشيطان يكمن فى بعض تفاصيلها..
أول هذه الشياطين، إننا لم نعرف هل هى أفكار ومقترحات أمريكية أم إسرائيلية؟ بايدن قدمها على أنها مقترح إسرائيلى، والسؤال لماذا لم تقدمها إسرائيل بنفسها، وهل يجوز لدولة أجنبية حتى لو كانت أمريكا الحليف المقرب جدا لإسرائيل أن تقدمها نيابة عن تل أبيب؟
وإذا كانت المقترحات إسرائيلية، فلماذا يسرب نتنياهو إلى الصحافة أن المقترحات ضعيفة وتعتبر انتصارا لحماس؟! ثم إن ديوان حكومة نتنياهو أصدر بيانا بعد قليل من ظهور بايدن يقول فيه إن إسرائيل مستمرة فى الحرب حتى تحرير الأسرى؟!
والسؤال: هل نحن بصدد تقسيم وتوزيع أدوار بين نتنياهو وبايدن أو بين بايدن والمعارضة الإسرائيلية؟
الشيطان الثانى والمهم جدا فى المقترحات أنه يتحدث عن ضرورة إطلاق كل الأسرى الإسرائيليين الأحياء خصوصا الجنود فى المرحلة الثانية من العملية.
وليس المرحلة الثالثة، بحيث أن إسرائيل ستأخذ كل أسراها من دون تحقيق شرطين أساسيين تتمسك بهما حماس دائما وهما الوقف التام للعدوان والانسحاب الكامل من غزة.
وبالتالى فمن حق المقاومة الفلسطينية أن تتشكك كثيرا فى أنها حينما تسلم الأسرى لإسرائيل يمكن للأخيرة التعلل بأى حجة واستئناف العدوان بعد فترة التوقف والتهدئة لمدة ٦ أسابيع.
فى كل المقترحات السابقة كان الإفراج عن الجنود الإسرائيليين الأحياء يأتى فى المرحلة الأخيرة حتى تضمن حركة حماس أن تنفذ إسرائيل كل تعهداتها. فى هذه المرة انعكست الصورة بحيث يتم الإفراج عن بقايا رفات الأسرى فى المرحلة الثالثة والأخيرة.
الشيطان الثالث والخطير أيضا هو انسحاب القوات الإسرائيلية فى المرحلة الأولى من المناطق المأهولة فى غزة. وهو أمر منطقى لكن بشرط جوهرى أن يكون هناك نص واضح يقضى بانسحاب كامل قوات الاحتلال من كل قطاع غزة من دون البقاء فى أى جيوب أو شريط حدودى.
الشيطان الرابع أن الاقتراح لم يشر من قريب أو من بعيد إلى مصير احتلال القوات الإسرائيلية لمحور فيلادلفيا على طول حدود قطاع غزة مع مصر أو معبر رفح، وهل ستنسحب منها ومتى.
الشيطان الخامس أو اللغز الكبير هو التناقض الكبير فى كلمات بايدن بشأن حماس . هو يخاطبها مرة بقوله إذا أوفيتم بالشروط وكنتم فعلاً تريدون وقف القتال فعليكم أن تقبلوا بالمقترحات، فى حين أنه يتحدث فى فقرة أخرى عن ضرورة عدم وجود حكم حماس فى القطاع.
الشيطان الأخير هو أن يترك قضية وقف إطلاق النار الدائم رهنا بالمفاوضات وهنا كيف لنا أن نتصور السلوك الإسرائيلى بعد أن يكون قد تحرر من كل الضغوط الداخلية واسترد جميع الأسرى والجثامين؟
أظن أن حركة حماس كانت موفقة جدا فى ردها على المقترحات حينما قالت إنها تنظر بإيجابية إلى مقترحات بايدن وإنها مستعدة للتوصل إلى اتفاق شامل يتضمن صفقة كاملة، وإنها لن تتنازل عن القواعد الراسخة وهى وقف العدوان وانسحاب إسرائيل وإعادة الإعمار. ويحسب للمقاومة أنها لم ترفض المقترحات الأمريكية وتركت الأمور مفتوحة لترى أولا رد الفعل الإسرائيلى الرسمى.
فى ظنى أن مقترحات بايدن مهمة للغاية وينبغى أن تخضع للدراسة المتأنية، وهى تكشف جملة من الأمور التى تحتاج إلى نقاش موسع ومن بين هذه الأمور أن أمريكا أدركت أن إسرائيل فشلت فى كل شىء رغم الدعم الأمريكى المفتوح، وأيضا أن إدارة بايدن ربما تكون قد دخلت فى عملية كاملة مع المعارضة الإسرائيلية لإسقاط حكومة نتنياهو الذى صار هو ومتطرفوه خطرا على المصالح الأمريكية.