بقلم - عماد الدين حسين
سؤال مهم ويتردد على ألسنة وأذهان كثيرين: هل هناك علاقة بين اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشامل بين مصر والاتحاد الأوروبى الذى تم توقيعه يوم الأحد الماضى، وبين العدوان الإسرائيلى الوحشى على قطاع غزة، وبعبارة أكثر وضوحا: هل سنقدم للاتحاد الأوروبى تنازلات فى القضية الفلسطينية مقابل المساعدات؟
نعلم أن مصر والاتحاد الأوروبى وقعا الأحد الماضى اتفاقا مهما يقضى بترفيع علاقات الطرفين إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة فى العديد من المجالات، لكن ما لفت نظر كثيرين أن الاتفاق تضمن تقديم ٧٫٤ مليار يورو أو أكثر من ٨ مليارات دولار لمصر حتى ٢٠٢٧ وتشمل منحا وتسهيلات وقروضا بشروط ميسرة جدا.
أهمية هذا الاتفاق أنه جاء بالتزامن مع حصول مصر على ٣٥ مليار دولار من الإمارات من صفقة رأس الحكمة، و٩٫٢ مليار من صندوق النقد و6 مليارات دولار من البنك الدولى وبضعة مليارات أخرى من شركاء التنمية، الأمر الذى مكنها من بدء عملية توحيد سعر الصرف والخروج من أسوأ أزمة اقتصادية واجهت مصر منذ عقود.
أعود للسؤال الأول الذى بدأت به وأقول إننى سألت مصدرا مهما كان مطلعا بدقة على مفاوضات اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبى فقال لى بوضوح الآتى:
حينما فكر الأوروبيون فى ترفيع العلاقات مع إحدى دول المنطقة العربية والشرق الأوسط والقارة الإفريقية فإنهم لم يجدوا إلا مصر فى البداية لأنها دولة محورية فى المنطقة من وجهة نظرهم. وهذا توجه غير مسبوق بالنسبة للقارة الأوروبية فى منطقتنا.
وتم اختيار مصر فقط من القارة الإفريقية والشرق الأوسط لتطوير العلاقات معها.
ومنذ حوالى عام تطور التفكير من خطة عمل إلى البحث عن ترفيع العلاقات إلى مستوى علاقة الشراكة الاستراتيجية والشاملة.
عملية ترفيع مستوى العلاقات بدأ التفكير فيها منذ أكثر من سنة كاملة، وسبقت ٧ أكتوبر بأكثر من عام كامل.
الاتحاد الأوروبى بدأ وقتها ما يمكن تسميته «خطة عمل» بالتفاوض مع حوالى خمس دول فى مختلف قارات العالم.
المفاوضات كانت مطولة ومجهدة ولم تكن هناك أصلا أزمة غزة موجودة. مسار المفاوضات شهد العديد من التوقفات والمفاوضات المكثفة للاتفاق على نص الإعلان السياسى الخاص بترفيع وترقية العلاقات، والاتفاق على المحاور الستة للشراكة، وكذلك الاتفاق على حجم الحزمة المالية، وحجم المنح والتمويلات التنموية والاستثمارات المباشرة، وكل ذلك استغرق وقتا طويلا.
يضيف المصدر: لم تكن هناك علاقة بغزة على الإطلاق لأن حرب غزة لم تكن موجودة، كان هناك فقط اقتناع وتسليم بأهمية الدور المصرى فى المنطقة.
انتهى كلام المصدر المصرى، وأشير مرة أخرى إلى أننى وجهت نفس السؤال للعديد من المسئولين فى الاتحاد الأوروبى الذين التقينا بهم نحن الوفد الصحفى المصرى الذى شهد مباحثات الشراكة المصرية الأوروبية فى بروكسل بحضور وزير خارجيتنا السفير سامح شكرى فى الأسبوع الثالث من يناير الماضى.
جميع من سألتهم ردوا بنفس جوهر رد المسئول المصرى لكن بصيغ وكلمات وتعبيرات مختلفة.
أظن أن العدوان الإسرائيلى غير المسبوق عالميا على غزة وجرائم الحرب التى ترتكبها إسرائيل، وتداعياتها على المنطقة ربما تكون قد سرعت من توقيع الاتفاق والسبب ببساطة أن أوروبا تبحث عن مصالحها أولا وأخيرا.
وهى تدرك تماما الدور المصرى ومحوريته وأهميته وعلاقته بكل الأطراف المؤثرة ثم إنه بلد جوار لفلسطين.
وأظن أيضا أن الجهد المصرى الكبير فى عملية المساعدات الإنسانية والإغاثية لقطاع غزة المنكوب قد لعب دورا مهما فى ارتفاع حجم التمويل المقدم من الاتحاد لمصر وبلغ أكثر من ٨ مليارات دولار.
أحد من قابلتهم قال لى: لاحظ أن معظم هذه الأموال قروض ــ حتى لو كانت ميسرة ــ وحجم المنح فيها قليل جدا ولا يتجاوز ٦٠٠ مليون يورو، وبالتالى فهل من المنطق أن نقدم لأوروبا تنازلات من أجل قروض إذا جاز أساسا أن نقدم تنازلات؟!!!
أما النقطة الجوهرية فهى أن موقف مصر حكومة وشعبا منذ اللحظة الأولى للعدوان وحتى هذه اللحظة هى رفض العدوان الاسرائيلى ورفض التهجير القسرى أو الطوعى، ورفض أن يكون كل ذلك على حساب مصر ومصالحها.
هذه هى الصورة والفيصل بيننا هو الأيام المقبلة.