عصر يوم الأربعاء الماضى سألتنى مذيعة قناة الـ«بى. بى. سى» عن قضية الطفل شنودة، وهل تدخلت الدولة وأجهزتها للتأثير على سير القضية، بحيث تنتهى هذه النهاية بعودة شنودة إلى الأسرة المسيحية التى وجدته وتكفلت برعايته وتربيته؟.
قبل الإجابة على هذا السؤال يجدر بنا معرفة ملخص سريع لهذه القضية التى شغلت الرأى العام من شهر سبتمبر الماضى، وحتى انتهت النهاية السعيدة قبل أيام.
فى عام ٢٠١٨ ذهبت السيدة آمال إبراهيم ميخائل، وزوجها فاروق فوزى بولس إلى «كنيسة السيدة العذراء» فى مدينة أم النور بحى الزاوية الحمراء، وكما تقول، فإنها حينما دخلت حمام الكنيسة وجدت طفلا رضيعا عمره أيام ملقيا، فأخذته وخرجت به من الكنيسة هى وزوجها وعادت بالطفل إلى المنزل. ولأن الزوجين لا ينجبان من ٢٧ عاما، فقد تبنيا الطفل وأعطياه اسم شنودة، وتعامل الجميع مع الأمر باعتباره ابنهما الطبيعى.
كان يمكن للأمر أن يستمر طبيعيا لولا أن ابنة شقيقة الزوج، قررت أن تفسد كل الخطة، والسبب هو اعتقادها أن تبنى هذا الابن سيحرمها من ميراث عمها، الذى يتم توزيعه على الأسرة فى حال عدم وجود وريث، وقامت الفتاة بإبلاغ الشرطة. بل زعمت أن الطفل لم يتم العثور عليه داخل الكنيسة، بل خارجها وبالتالى فهو طفل مجهول النسب.
ونتيجة لذلك أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها بعدم الاختصاص، وهو ما يعنى نزع الطفل من الأسرة، ثم قررت وزارة التضامن اعتبار الطفل مسلما وليس مسيحيا طالما أنه ليس ابن الأسرة، وغيرت اسمه إلى يوسف عبدالله محمد، وتم إيداعه دار رعاية بالهرم تابعة للوزارة، وبالتالى كان طبيعيا أن يجن جنون الأسرة التى تعتبر شنودة كل حياتها، بل إن الزواج توقف عن تناول الأدوية يأسا من الحياة على حد قوله. وبعد كل هذا الجدل طعنت الأسرة على القرار أمام محكمة القضاء الإدارى.
عند هذه التطورات بدأ الموضوع يصبح شاغلا لقطاع كبير من الرأى العام، والأسوأ أنه بدأ يتحول لقضية طائفية.
الأزهر الشريف كان له موقف شديد الاستنارة فالمركز العالمى للفتوى الإلكترونية، وردا على سؤال عام عن ديانة الطفل الذى عثر عليه داخل إحدى الكنائس، قال إن الطفل إذا كان وجد بالكنيسة والواجد غير مسلم، فالطفل على دين من وجده.
وبعد هذه الفتوى وبناء على طلب من وزارة التضامن قال مفتى الجمهورية إن تبعية الطفل لديانة الأشخاص الذين عثروا عليه.
هنا صدرت الأوامر التنفيذية بإعادة الاسم الأول للطفل وهو شنودة فاروق واعتباره مسيحيا، وأمرت نيابة شمال القاهرة بإعادة الطفل لأسرته شرط أن تتعهد بحسن رعايته والمحافظة عليه واستكمال إجراءات كفالته وفقا لنظام الأسر البديلة، وليس للتبنى، باعتبار أن التبنى فى هذه الحالة غير متحقق.
أعود إلى السؤال الذى بدأت به فى مقابلة البى بى سى، حيث كان رأيى بوضوح أننى لا أعلم هل كان هناك تدخل حكومى أم لا، وظاهر الأمر أن القضية تم معالجتها من كل الجوانب، لكن حتى لو افترضنا وجود هذا التدخل، فهو تدخل إيجابى ومحمود ومرحب به طالما أنه نزع فتيل أزمة كان يمكن أن تتطور للأسوأ.
الحمد لله أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى أفضل حالاتها خصوصا منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ولم نعد نسمع عن المشاحنات والاحتكاكات والتأجيج الطائفى البغيض الذى عانينا منه كثيرا، ورغم ذلك فإن هناك البعض ما يزال يعتاش على هذا الموضوع، ويريد أن ينفخ فى أى شىء، ثم إن بعض العوام هنا وهناك يمكن لهم أن يتأثروا سلبا بأى كلام طائفى، وبالتالى فإن التحرك السريع من الأزهر ودار الإفتاء، وكل من ساهم فى النهاية الطيبة لهذه القضية يستحق الشكر الجزيل.
عانينا كثيرا من مثل هذه المحاولات الطائفية، ووقتها تمنينا أن يكون هناك تدخل من الدولة أو من أى جهة طالما أنه يقود إلى وقف التشاحن الطائفى.
أن يعود شنودة إلى أسرته التى قامت بتربيته لن يضر الإسلام فى شىء، ولن يفيد المسيحية فى شىء، بل سيخمد فتنة كان يمكن أن تشتعل ولا يستفيد منها إلا أعداء هذا الوطن.