بقلم - عماد الدين حسين
ما الذى يدفع أى مسلم يريد أن يؤدى الركن الخامس من الإسلام وهو الحج، بأن يلقى بنفسه فى التهلكة، ويعرض نفسه لأخطار كثيرة قد تصل إلى الموت، كما حدث مع البعض فى موسم الحج الأخير الذى انتهى قبل أيام قليلة؟!
أطرح هذا السؤال بمناسبة وفاة أكثر من ألف حاج غالبيتهم العظمى من المخالفين، أى الذين لم يحصلوا على ترخيص رسمى بالحج، ولم يدخلوا السعودية بتأشيرة حج معتمدة.
هناك أكثر من عامل يمكن أن يفسر لنا هذا اللغز الذى حير الكثيرين فى موسم الحج الأخير.
أولا: يفترض توافر شرط الاستطاعة التى لا تعنى المال فقط، بل الصحة والقدرة على تحمل السفر ومشاق الحج وتنقلاته والقدرة على الحفاظ على النفس من الأخطار المختلفة.
وثانيا: يفترض أيضا أن أى حاج لابد أن يلتزم بالقواعد والإجراءات التى تضعها الدولة المشرفة والمنظمة والمسئولة عن الحج وهى السعودية، وأولها أن يدخل الأراضى المقدسة بتأشيرة حج معتمدة إذا كان من الخارج، أو يحصل على ترخيص رسمى إذا كان من الداخل.
أعود إلى محاولة التفسير، وأعتقد أن العامل الأول أن بعض الحجاج المخالفين لا يدرك أنه مخالف، فكل ما يشغله أن يؤدى الفريضة، بل إنه فى بعض الأحيان يقوم هذا الشخص ببيع كل ما يملك من أجل إتمام هذا الركن، أو يدخر لسنوات طويلة حتى يكون قادرا على القيام بهذه الرحلة.
والتفسير الثانى والأقرب إلى المنطق هو أن عددا كبيرا من المخالفين لا يدركون أنهم مخالفون، بل هم ضحية لمجموعة من الشركات المجرمة توهمهم بأن كل الإجراءات سليمة خصوصا أن هذا الحاج يدفع للشركة كل ما تطلبه من أموال حتى لو كان مبالغا فيه.
التفسير الثالث أن عددا من الحجاج يعرف أنه مخالف، لكنه يراهن على أن الأمور سوف تسير بالشكل الذى سارت عليه فى السنوات الماضية مع حجاج آخرين. وبالتالى فإن المفاجأة الصادمة لهم هذا العام هى أن السلطات السعودية اتخذت إجراءات صارمة لمحاربة الظاهرة، ورفعت شعار «لا حج من دون ترخيص»، وطاردت المخالفين، بل وتمكنت من القبض على وترحيل حوالى ٤٠٠ ألف شخص.
أما المفاجأة الثانية فهى موجة الحرارة الشديدة والتى لامست ٥٢ درجة مئوية مما أدى الى إصابة بعضهم بضربات شمس بفعل درجات الحرارة الشديدة وأغلب الظن أن بعض هؤلاء مصاب بأمراض مزمنة، وكل هذا أدى إلى زيادة عدد الوفيات.
المؤكد أن غالبية المخالفين لا يدركون أن الشركات أو بالأحرى العصابات قد خدعتهم وأوهمتهم بأنهم حجاج شرعيون ولهم كل الحقوق من السكن إلى المواصلات والمأكل والملبس، وكما يحدث كل عام، فإن المخالفين يتفاجأون دائما بأنه تم النصب عليهم، وبالتالى لا يجدون حلا إلا افتراش الشارع، لكن الحرارة لم تكن فى صالحهم هذه المرة، فمات منهم الكثير.
التفسير الرابع أن الشركات التى أجرمت فى حق هؤلاء الحجاج كانت تدرك كل شىء، وهى على علم بأن هناك إجراءات مشددة اتخذتها السلطات السعودية لمحاربة ظاهرة المخالفين، ورغم ذلك قررت إلقاء هؤلاء الحجاج فى التهلكة عمدا. وهو الأمر الذى يجعلها تتحمل المسئولية الأساسية عن كل متوفى فى الحج خصوصا أنه من بين ٦٥٨ متوفيا مصريا طبقا لوكالة الأنباء الفرنسية كان هناك ٦٣٠ مخالفا، وهو ما يوضح أن وزر هؤلاء معلق فى رقبة هذه الشركات الجشعة.
التفسير الخامس أن العديد من الجهات المصرية من أول وزارة الأوقاف إلى أجهزة الحكومة المختلفة إلى المجتمع الأهلى لم تنجح فى عملية التوعية بحيث لا يخاطر أى شخص بالسفر طالما أنه لا يحمل تأشيرة حج، وهذه النقطة تحتاج نقاشا موسعا، لأنها تكشف عن حالة تسيب مجتمعى رهيب، بحيث إن آلاف المصريين يسافرون للحج من دون تأشيرة رسمية، الأمر الذى عرضهم لأخطار حقيقية وصلت إلى موت المئات منهم.
فى كل عام يثار موضوع الشركات المخلفة وأسميها الشركات المجرمة، لكن الشكوى كانت تتركز دائما على أن هذه الشركات لم تقم بتقديم الخدمات الكاملة للحجاج.
هذا العام الأمر اختلف، وبسبب الحرارة الشديدة مات المئات وربما الآلاف من الحجاج أغلبهم من المخالفين، وهكذا انفضحت هذه الشركات.
ومرة أخرى نسأل: هل من عقاب صارم لهؤلاء المجرمين ولكل من يحركهم ويساندهم ويشغلهم، حتى لا تتكرر المأساة مرة أخرى؟!