بقلم - عماد الدين حسين
منطقة «شومان» تقع فى قلب العاصمة البلجيكية بروكسل، وفيها معظم مؤسسات الاتحاد الأوروبى خصوصا المفوضية و«مجلس الاتحاد الأوروبى».
عصر يوم الإثنين الماضى كنت برفقة ٣ صحفيين مصريين ومصرى رابع يعمل فى الاتحاد الأوروبى، ودخلنا محطة مترو شومان متجهين إلى مقر «المجلس الأوروبى» لمقابلة بعض المسئولين الأوروبيين على هامش اجتماعات وزراء الاتحاد الأوروبى، إضافة لاجتماعات اللجنة المصرية الأوروبية المشتركة والتى وقعت اتفاق الشراكة الجديد بين الجانبين. ما لفت نظرى هو شعارات وكلمات وملصقات وعبارات ورسومات التعاطف مع غزة وفلسطين والمنددة بإسرائيل على طول جدران محطة مترو الأنفاق وهى واحدة من المحطات الرئيسية فى بروكسل.
من بين هذه الشعارات نجمة العلم الإسرائيلى وموضوع عليه «مقاطعة» باللغة الإنجليزية، ورسم آخر عبارة عن قلب على هيئة العلم الفلسطينى وأسفله مكتوب «الحرية لفلسطين»، ورسم آخر به الكثير من الدماء ومكتوب أسفله «أوقفوا إطلاق النار الآن»، وملصق آخر عليه خريطة فلسطين ومكتوب عليها «لا توقفوا الحديث عن فلسطين».
خرجنا من هذه المحطة وذهبنا إلى أحد المقرات الرئيسية للاتحاد الأوروبى، والتى تضم «إدارة الحوار مع دول جوار الجنوب وتركيا»، وفى المبنى المقابل لهذا المبنى كانت هناك عبارة مكتوبة على الجدار بخط كبير وواضح تقول: «أوقفوا الإبادة الجماعية.. الحرية لفلسطين». هذا ما شاهدته خلال أقل من نصف ساعة فى منطقة واحدة محددة من العاصمة بروكسل، وحينما زرت نفس المدينة فى نهاية نوفمبر الماضى لحضور اجتماعات وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلنطى «الناتو»، وخلال المسافة من مطار بروكسل إلى حيث الفندق الذى نزلت فيه كانت هناك مظاهرة لمحتجين على العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، والمستمر منذ ٧ أكتوبر الماضى وحتى هذه اللحظة وهذه المظاهرات استمرت بصورة واضحة فى الفترة الماضية.
ما الذى يعنيه كل ذلك؟!
يعنى ببساطة من وجهة نظرى الأمور التالية:
أولا: أن العديد من الشعوب الأوروبية قد كشفت الوجه الحقيقى للبلطجة والعنصرية والفاشية الإسرائيلية، ولم تعد تنظر إلى إسرائيل باعتبارها «واحة الديمقراطية وسط غابة الاستبداد العربى والإسلامى»، كما كانت تزعم تل أبيب.
ثانيا: أن جزءا كبيرا من الأجيال الجديدة من الشباب الأوروبى لم تعد تتأثر بالسردية الإسرائيلية القائمة على الأكاذيب الإسرائيلية، بل بدأت تراها كقوة احتلال غاشمة تقتل النساء والأطفال وتدمر البيوت والمنشآت وتحاول إبادة شعب أعزل أو تهجيره من أرضه.
ثالثا: ما تزال هناك فجوة كبيرة بين حقيقة المشاعر الأوروبية الشعبية ومعظمها يساند الحقوق الفلسطينية، وبين المواقف الرسمية لعدد كبير من الحكومات الأوروبية المؤيدة للسياسات الإسرائيلية خصوصا فى شرق أوروبا.
رابعا: دبلوماسى عربى قال لى إنه حينما يتحدث مع بعض الدبلوماسيين الأوروبيين بصورة ودية فإن معظم مواقفهم مؤيدة للحق الفلسطينى، وتعارض بوضوح السياسات الإسرائيية القائمة على العدوان، لكن معظمهم لا يجرأون على المجاهرة بذلك لأنهم يمثلون الاتحاد الأوروبى ولو جاهروا بذلك فقد يخسرون وظائفهم!!.
بالطبع الموقف الأوروبى مايزال مرتبطا إلى حد كبير بالموقف الأمريكى فيما يتعلق بمعظم القضايا الخارجية خصوصا الصراع العربى الإسرائيلى، وهو ما يجعل هذا الموقف عاجزا فى مرات كثيرة.
ورغم ذلك فإن هناك أصواتا أوروبية كثيرة تحدثت بوضوح خلال الأزمة خصوصا جاك ميشيل رئيس المجلس الأوروبى وجوزيب بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية خصوصا فيما يتعلق بأن حل الدولتين لابد أن يتم تطبيقه وليس فقط الحديث عنه.
أعتقد مما رأيته وسمعته طوال اليومين الماضيين فى مقر المفوضية الأوروبية أو سائر المقرات والإدارات الأوروبية أن العرب عليهم الاستمرار فى العمل مع الأوروبيين من أجل تغيير الموقف الرسمى بحيث يتماثل مع الموقف الشعبى لوقف العدوان الإسرائيلى أولا ثم الضغط من أجل حل الدولتين.