بقلم - عماد الدين حسين
فى إحدى القاعات الصغيرة فى مقر حلف شمال الأطلنطى «الناتو» قابلت أحد المسئولين المهمين فى الحلف عقب لقائه مع بعض الصحفيين العرب، وسألته سؤالا مباشرا: هل لديكم فكرة واضحة عن حجم الغضب الشعبى العربى تجاه مواقف غالبية الدول الأعضاء فى الحلف من العدوان الإسرائيلى المدمر على قطع غزة والمستمر منذ 7 أكتوبر الماضى وحتى الآن وخضع لهدنة إنسانية لأسبوع واحد فقط؟!
المسئول فى الناتو والذى ينتمى لدولة متوسطية أجابنى بوضوح قائلا: نعم نحن ندرك ذلك بوضوح ونشعر به ونراه أحيانا بأعيينا قبل أن نقرأة فى التقارير الأمنية والتحليلات السياسية.
مقابلتى مع المسئول المهم فى حلف الناتو كانت على هامش الاجتماع المهم لوزراء خارجية دول الناتو على مدى يومى ٢٨ و٢٩ نوفمبر الماضى لمناقشة العديد من القضايا وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية والتهديدات الصينية والشراكة مع دول من خارج الحلف، إضافة للأزمة الناشئة الآن فى منطقة البلقان.
سألت هذا الدبلوماسى إذا كانت إجابتكم بنعم، فلماذا الإصرار على الاستمرار فى هذه السياسة التى ستجعلكم تخسرون فى العديد من المجالات، سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا وربما حتى أمنيا؟
الرجل أجاب بقوله إن هذا الموقف الراهن يعكس إلى حد كبير موقف العديد من الدول الأعضاء، لدينا ثوابت ومبادئ ونؤكد على ضرورة حماية المدنيين الفلسطينيين، والأفضل مغادرة حماس للمشهد السياسى الفلسطينى ونسعى لعدم توسيع الصراع، وألا تنضم إليه أطراف أخرى ومن المهم لجم الأذرع الإيرانية فى المنطقة.
وحسب رأيه فإن ما حدث فى 7 أكتوبر ــ بقصد عملية «طوفان الأقصى» كان زلزالا كبيرا لم يرد فى أشد كوابيس غالبية الدول الغربية تشاؤما، ثم إن حركة حماس مصنفة فى غالبية بلدان الحلف إرهابية بل وفى بعض الدول الأوروبية، وقامت ــ من وجهة نظر هذه البلدان بقتل وخطف مدنيين بعضهم من النساء والأطفال، وهو أمر لا يمكن قبوله بأى حال من الأحوال.
قلت له، لكن حماس أيضا وغيرها من المنظمات الفلسطينية تقاوم الاحتلال الإسرائيلى طبقا للقانون الذى يعطيها حق المقاومة ضد هذا الاحتلال، ولا يعطى لإسرائيل حق الدفاع عن النفس كما تزعم هى والعديد من الدول الغربية باعتبارها سلطة الاحتلال. هو أجاب: نعم أتفهم ما تقوله وما يقوله كل الفلسطينيين وغالبية العرب، لكن مرة أخرى فإن حماس من وجهة نظره ارتكبت خطأ قاتلا حينما خطفت النساء والأطفال وقتلت بعضهم فى أرض يصنفها القانون الدولى باعتبارها إسرائيلية، كما أن غزة من وجهة نظره ليست محتلة.
قلت له، ولكن هذه المستوطنات كانت أرضا فلسطينية، وغزة محاصرة حصارا قاتلا منذ عام ٢٠٠٥، والضفة وهى أرض فلسطينية محتلة منذ عام ١٩٦٧، ألا يعطى ذلك الفلسطينيين الحق فى مقاومة الاحتلال بكل السبل التى يكفلها القانون الدولى.
هو أجابنى قائلا: مرة أخرى أتفهم وجهة النظر الفلسطينية والعربية، وأتفهم الصعوبات التى يعانى منها الفلسطينيون لكن ما فعلته حماس فى ٧ أكتوبر كان أمرا مريعا ثم إن هناك سلطة فلسطينية فى رام الله تفاوض إسرائيل سياسيا وحماس منقلبة عليها منذ عام 2007.
كررت عليه السؤال ألا تخشون من ردود الفعل العربية الشعبية قبل الرسمية بسبب مواقفكم الأخيرة؟.
أجاب مؤكدا: نعم، ومن أجل ذلك، فهو يرى أنه بعد أن يتوقف إطلاق النار، فلابد أن تشرع جميع الأطراف فى العودة للعملية السياسية بحيث يقود ذلك فى النهاية إلى تطبيق حل الدولتين أى الدولة الفلسطينية بجوار إسرائيل.
سألته ولكن غالبية الدول الأوروبية تكرر هذا الكلام وتتحدث عن حل الدولتين فى الألفاظ والتصريحات، ولا تفعل أى شىء لتحويله إلى واقع، بل إنها عمليا تدعم ـ بالصمت ـ ما تفعله إسرائيل من الاستيلاء على المزيد من أراضى الفلسطينيين فى الضفة، ومحاولة تهجيرهم إلى الأردن وتهجير أهالى غزة إلى سيناء مصر.
هو قال: لدينا أفكار كثيرة لليوم التالى الذى يلى توقف إطلاق النار، أظن أن ما حدث طوال الأسابيع الماضية منذ ٧ أكتوبر وحتى الآن سوف يجعل الجميع فى المنطقة وخارجها يفكرون بصورة مختلفة من أجل البحث عن حل جدى ينهى هذا الصراع الطويل جدا، والذى يلقى بظلاله على علاقات حلف الناتو والغرب مع المنطقة العربية والعالم الإسلامى.
قلت له: أتمنى أن يتحقق كلامك على أرض الواقع.