حينما أصدر بنيامين نتانياهو تعليماته لسلاح الجو الإسرائيلي بمهاجمة القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل الجاري، وهدمها على كل من فيها، فإنه كان عملياً يريد استدراج إيران إلى الحرب بكل السبل، وهو ما حصل عليه جزئياً بالرد الإيراني بضرب إسرائيل يوم 14 أبريل الجاري.
لا يخفى على المتابعين للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أن نتانياهو يريد توسيع رقعة القتال ليشمل منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وليس فقط قطاع غزة. لو تحقق هذا الهدف فإن نتانياهو يكون حقق هدفاً استراتيجياً حقيقياً لمصلحته الشخصية ولمصلحة الائتلاف اليميني الحكومي.
وقد يسأل البعض: وما مصلحة نتانياهو في توسيع الحرب لتصبح إقليمية، أو حتى عالمية؟!.
بعض العرب يختزل مصلحة نتانياهو في أنه يريد أن يغطي على إخفاق حكومته وجيشه في فشل منع عملية «طوفان الأقصى» التي ضربت نظرية الردع الإسرائيلي في مقتل.
بالطبع فإن توقف القتال من دون تحقيق الأهداف المعلنة من قبل حكومة نتانياهو، وهو الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين والقضاء على حكم حركة حماس، سيعني هزيمة سياسية واضحة للحكومة الإسرائيلية، وبالتالي مساءلتها ومحاسبتها سياسياً، وربما الإطاحة بها، خصوصاً أن كل استطلاعات الرأي منذ شهور تقول إن نتانياهو وشركاءه في الائتلاف الحكومي سيتلقون هزيمة كبرى.
لكن المؤكد أن هناك هدفاً أكثر أهمية لدى الحكومة الإسرائيلية من مجرد القضاء على حماس أو حتى تحرير الأسرى.
هناك تقديرات لدى المؤسسات الإسرائيلية ولدى اليمين المتطرف أن الواقع الحالي يتيح لحظة تاريخية قد لا تتكرر كثيراً، وهي أن الأوضاع العامة في المنطقة تسمح بتحقيق الهدف الأعلى لإسرائيل، وهو تصفية القضية الفلسطينية بصورة كاملة، وتوجيه ضربات موجعة لكل القوى المناوئة لإسرائيل في المنطقة.
كثيرون يرون عملية «طوفان الأقصى» ضربة موجهة للكبرياء الإسرائيلي، لكن بعض المحللين الإسرائيليين يقولون إنها فرصة للقضاء على «صداع قطاع غزة» منذ عشرات السنوات، وإكمال تهويد الضفة الغربية.
يقول هؤلاء إن الخطة الإسرائيلية كانت مركونة في الأدراج وتنتظر اللحظة المناسبة، ويستدلون على ذلك بدراسة مهمة وضعها وزير المالية الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتس رئيس حزب «الصهوينية الدينية» ونشرها في يونيو الماضي، وخلاصتها أن أمام الفلسطينيين 3 خيارات لا رابع لها، وهي القبول بالعيش كمواطنين درجة ثانية من دون أي حقوق سياسية أو قومية، أو الرحيل عن الأرض إلى أي مكان، أو القتل لمن يرفض ذلك.
من تابع العدوان الإسرائيلي على غزة لاحظ أن حكومة نتانياهو لم تهتم بإنقاذ الأسرى تطبيقاً لـ«مبدأ هانيبال»، ولا يشغلها كثيراً تدمير حماس، بقدر ما يهمها تحويل قطاع غزة إلى مكان غير قابل للحياة.
هذا الأمر تزامن مع أكبر عملية تهويد في الضفة الغربية وهجمات غير مسبوقة للمستوطنين على بيوت ومزارع وأملاك الفلسطينيين وقتل المئات واعتقال الآلاف. ثم إن نتانياهو يحاول منذ سنوات إقناع الولايات المتحدة بتوجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني قبل أن يتمكن من إنجاز صناعة القنبلة النووية.
وكان هناك خلاف جوهري بين حكومة نتانياهو، وإدارة الرئيس جو بايدن، الذي تفاوض مع إيران كثيراً للتوصل إلى اتفاق جديد يكون بديلاً لاتفاق «6+1»، الذي وقعه الرئيس الأسبق باراك أوباما، وألغاه الرئيس السابق دونالد ترامب.
لو أن نتانياهو تمكن من استدراج إيران إلى صراع واسع تحت أي مسمى، وتمكن من إقناع واشنطن بالمشاركة في المواجهة مع إيران، فسيكون قد تمكن من تحقيق هدف استراتيجي حقيقي، وليس فقط لمصلحة حكومة نتانياهو.
تل أبيب تعتقد أن إيران هي الخطر الأكبر الذي يهددها، سواء بصورة مباشرة، أو غير مباشرة عبر القوى المؤيدة لها في لبنان والعراق واليمن وسوريا. إذن انحصار الحرب في قطاع غزة، وصور الدمار واسع النطاق هناك، وسقوط نحو 35 ألف قتيل و76 ألف مصاب ونزوح أكثر من مليوني فلسطيني، كلها مشاهد تضع إسرائيل في مرمى الانتقادات العالمية، وتتلقى إدانات واسعة النطاق من محكمة العدل الدولية وسائر منظمات حقوق الإنسان.
مواجهة كل ذلك تعني الهروب للأمام وتحويل الصراع من مجرد قتل النساء والأطفال في غزة وهدم البيوت، إلى صراع مع دولة إقليمية كبرى مثل إيران، سيحل كل مشكلات نتانياهو والائتلاف الحاكم هناك، وربما ذلك هو الذي جعل إيران طوال الأشهر الستة الماضية تحاول فرملة التصدي لإسرائيل في إطار «قواعد الاشتباك المنضبطة»، بمعنى أن القوى القريبة منها تدعم الفلسطينيين، ولكن في إطار محدد سلفاً، وليس في إطار حرب شاملة، تمكن إسرائيل ومن يدعمها في الغرب من توجيه ضربة شاملة لإيران تقضي على كل ما بنته في المنطقة خلال العقود الماضية.
السؤال: هل ينجح نتانياهو في استدراج إيران؟، أم تفوت طهران الفرصة عليه؟، خصوصاً أن واشنطن تكرر أنها لا تريد حرباً إقليمية قد تدمر فرص بايدن في انتخابات الخريف المقبل.