بقلم - عماد الدين حسين
أكبر عدد من شهداء الصحافة فى الوطن العربى بأكمله قدمه العراق. ما يقارب الـ ٥٠٠ صحفى منذ الغزو الأمريكى للعراق فى مارس ٢٠٠٣ وحتى الآن، منهم نحو ٦٠ صحفيا فى المعركة ضد تنظيم داعش الإرهابى، خصوصا خلال فترة صعود هذا التنظيم وتمدده وسيطرته على أجزاء كبيرة من البلاد عام ٢٠١٤ قبل أن يتم هزمه ودحره على يد الشعب العراقى.
العراق ابتلى طوال سنوات بأخطر مجموعة من الفيروسات والميكروبات والسرطانات خصوصا الاستبداد والديكتاتورية ثم الغزو الأمريكى البريطانى، ثم الطائفية المقيتة ثم الإرهاب الأسود ثم الفساد، لكنه بدأ يتعافى إلى حد كبير من كل هذه الأمراض وينطلق إلى معركة البناء والتعمير.
يوم السبت الماضى حضرت فى بغداد احتفال نقابة الصحفيين العراقيين بعيد الصحافة الذى يوافق الذكرى ١٥٤ لإنشاء أول وأقدم صحيفة عراقية وهى الزوراء. هذه المناسبة صارت عيد الصحافة ويتم الاحتفال بها كل عام.
وفى الاحتفال الأخير حضر أكثر من ١٥٠ صحفيا من ٥٠ دولة خصوصا من البلدان العربية وغالبية النقباء وأعضاء مجالس النقابات والجمعيات الصحفية ورؤساء تحرير وكتاب عرب من المحيط إلى الخليج إضافة إلى مئات الصحفيين العراقيين وطلاب كليات الاعلام.
وفى هذا الاحتفال تحدث رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى، وقال إن الصحافة العراقية لعبت دورا وطنيا مهما فى الوقوف ضد الإرهاب والتطرف ومساندة الدولة من خلال تشخيص مواطن الخلل وتقويم الأداء، وقدمت تضحيات كبيرة فى سبيل إعلاء الكلمة الحرة. وهى أرشيف مهم لتاريخ العراق الحافل. شياع السودانى كشف عن أن الحكومة وجهت هيئة النزاهة قبل أسبوعين لدراسة مشروع قانون حق الحصول على المعلومات لإرساله إلى مجلس النواب. السودانى كشف أيضا عن أن الحكومة اتخذت حزمة من الإجراءات لدعم العمل الصحفى تتضمن توفير خدمات لوجستية وتسهيلات مصرفية وأخرى تخص قانون العمل والضمان الاجتماعى وتسهيلات للحصول على مساكن مما يضمن حياة كريمة للصحفيين.
رئيس الجمهورية العراقى عبداللطيف جمال رشيد وفى كلمة ألقاها نيابة عنه ممثله عدنان إبراهيم محمد حيا الصحفيين العراقيين وقال إن دماءهم اختطلت بدماء المقاتلين الأبطال ودافعوا عن حقوق الشعب وطموحاته مؤكدا دعم الرئاسة لدور الإعلام الوطنى الحر والمستقل بما يعزز حق الشعب فى الديمقراطية والحريات والسلام.
الكلمة المحورية فى هذا الاحتفال كانت لنقيب الصحفيين العراقيين ورئيس اتحاد الصحفيين العرب مؤيد اللامى الذى قال إن العراق قدم فى العشرين سنة الأخيرة المئات من الشهداء الصحفيين والصحفيات وهم لعبوا دورا مهما فى مواجهة الإرهاب وتعبيد الطريق للعراق الحديث. ولذلك أنتم تشاهدون هذا البلد الجديد الآمن المستقر الذى يتجه للإعمار والبناء. وخلال أقل من ٦ شهور تطورت بغداد ومعظم أحيائها الرئيسية بصورة واضحة.
أهم ما كشفه اللامى خلال هذا الاحتفال أنه لم يعد هناك أى سجين رأى فى العراق وهذا التطور من وجهة نظره يحسب للحكومة العراقية.
اللامى كان قد أشار لنفس القضية فى الثالث من مايو الماضى، بمناسبة اليوم العالمى لحرية الصحافة قائلا إن نقابة الصحفيين العراقية واتحاد الصحفيين العرب الذى يرأسه ساهم فى إطلاق العديد من الصحفيين فى البلدان العربية، موجها الشكر لفائق زيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء على وعدم وجود أى سجين رأى أو نشر فى السجون العراقية.
من الواضح أن الصحافة العراقية صارت فى وضع أفضل كثيرا مقارنة بمرحلة ما قبل الغزو الأمريكى وما بعده مباشرة ورغم عديد السلبيات فإن من يطالع الصحافة العراقية الآن سيلحظ درجة معقولة من الحريات الحقيقية التى تتمتع بها، هى ليست حريات كاملة بطبيعة الحال بسبب وجود ميليشيات وتنظيمات مسلحة، وكل من تزعجه حرية الصحافة، ورغم ذلك فإن حريات الإعلام أفضل كثيرا، خصوصا أن ذلك يتزامن مع الدور المهم الدى يلعبه العراق فى المصالحة العربية الإيرانية، وبدء عودته بصورة واضحة إلى دوره العربى الصحيح.
كل التحية والتقدير للصحافة والصحفيين فى العراق الشقيق وللشهداء الذين سقطوا دفاعا عن مهنتهم وبلدهم. ونتمنى أن نشهد قريبا مزيدا من الحريات الحقيقية للصحافة العربية، وأن تخلو السجون العربية قاطبة من سجناء الرأى.