بقلم - عماد الدين حسين
هل من المنطق أن يستيقظ العالم فجأة ليجد أن روسيا النووية مهددة بحرب أهلية أو صراع عسكرى ممتد بين القوات المسلحة وميليشيا جيش فاجنر؟!
هذا سؤال منطقى ومهم، بعد أن تفاجأ العالم أجمع ــ أو معظمه على الأقل ــ بأن رئيس ميليشيا جيش فاجنر يفجينى بريجوجين تمرد على الدولة الروسية بل واستولى على بعض المنشآت العسكرية فى مدينة روستوف الحدودية مع أوكرانيا يوم السبت الماضى، وهدد بالزحف على موسكو وإسقاط قادة الجيش والطبقة السياسية الفاسدة حسب وصفه.
روسيا ليست مثل أى دولة فى العالم الثالث، فتمرد مجموعة أو ميليشيا عسكرية فى دول كثيرة بالعالم الثالث يؤثر بلا شك على هذه الدولة وربما بعض الدول المحيطة، لكن أن يحدث ذلك فى روسيا فهو أمر شديد الخطر.
أن تتمرد ميليشيا فى روسيا تعداد قواتها ٥٠ ألف مقاتل، ولديها مختلف أنواع الأسلحة، ولديها خبرة قتالية كبيرة، ولديها شعبية فى بلدها، فهو أمر شديد الخطورة لأن البعض سأل: ماذا لو تمكن بريجوجين من الوصول للحقيبة النووية وقرر أن يدمر العالم أجمع أو حتى بعض دوله؟
السؤال مرة أخرى، ألم يكن هناك توقع لدى الدولة الروسية أو لحلف الأطلنطى أو للولايات المتحدة والدول الكبرى مثل الصين وبريطانيا واليابان معلومات تشير إلى مثل هذا التمرد، وبالتالى يمكن منعه وتحجيمه أم أن البعض كان لديه معلومات محددة عن ذلك وتركها تتفاعل حتى ينتقم من روسيا لأسباب مختلفة؟!!.
بالطبع هناك الكثير من الروايات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعى، والتى تبدأ من أن ما حدث كان مجرد تمثيلية متفق عليها بين بوتين وبيرجوجين من أجل لخبطة المسرح السياسى فى روسيا وكشف العملاء. وإعطاء الغرب انطباعا خاطئا بأن روسيا على شفا الانهيار. هناك أيضا من يقول إن أمريكا هى التى تقف وراء تمرد قائد فاجنر، حتى تفكك روسيا وتنتقم من بوتين بسبب شنه الحرب فى أوكرانيا، فى حين أن معكوس الرواية الروسية الشعبية يقول إن بريجوجين أوهم الأمريكان أنه رجلهم وحصل منهم على ٦٫٥ مليار دولار ثم أنهى المسرحية! الروايات السابقة ومثلها كثير، لكن لن نقف عندها كثيرا لأنها صعبة التصديق وتتصادم كثيرا مع الحقائق والوقائع على الأرض.
لكن ما يمكن مناقشته هو ما جاء فى صحيفة واشنطن بوست يوم الأحد الماضى بأن المخابرات الأمريكية كانت تعلم منذ حوالى ثلاثة أسابيع أن قائد فاجنر يخطط لعمل مسلح ضد السلطات الروسية، وهذه المعلومة تم عرضها على كبار المسئولين الأمريكيين الذين ناقشوا احتمالات تطور هذا الأمر، بل ومدى تأثيره على استقرار حكم بوتين، وتخوفوا من حدوث حرب أهلية فى دولة نووية تكون لها تداعيات خطيرة على العالم أجمع.
هل هذه الرواية صحيحة أم للمبالغة فى قدرات المخابرات الأمريكية؟ لا أحد يمكنه الحسم أو الجزم.
وهناك رواية أخرى قالها الرئيس الأمريكى جو بايدن بأن بلاده لم تتدخل فيما حدث فى روسيا. وهو أيضا أمر قابل للمناقشة والجدل.
لكن ما قاله وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن يوم الأحد الماضى أيضا مهم، حيث قال إن تمرد فاجنر يظهر تصدعات حقيقية فى سلطة بوتين وتحديا مباشرا له.
بلينكن قال، قبل ١٥ شهرا كان بوتين على أعتاب كييف ويتطلع للاستيلاء عليها فى غضون أيام ومحوها من على الخريطة، والآن كان عليه أن يدافع عن موسكو عاصمة روسيا ضد مرتزقة من صنعه!!.
مرة أخرى فإن السؤال الجوهرى هو: لماذا لم تتحرك السلطات الروسية فى موسكو منذ شهور طويلة حينما بدأ بريجوجين يهاجم علنا قادة الجيش، ويتصرف بصورة شديدة التهور، ولماذا تم تركه كل هذا الوقت حتى وصل إلى التهديد بالتحرك للسيطرة على موسكو، بل والسخرية من الرئيس الروسى نفسه ووصفه بـ«الجد العجوز»، وأين كانت كل أجهزة الأمن الروسية من تحركات قائد فاجنر وهو يوجه اتهاماته وتهديداته للجميع؟!
وأين كانت كل أجهزة المخابرات الكبرى من هذه التحركات، ولماذا لم تتحرك وتبلغ موسكو أو تحذرها خصوصا أنه لو قدر لقائد فاجنر النجاح فربما دفع العالم بأكمله ثمنا فادحا، وربما وقعت الأسلحة النووية فى يد هذا الرجل واستخدمها بصورة مجنونة!
وأين كانت الصين من كل ذلك، وخصوصا أن أى تطور سلبى فى روسيا فسوف تدفع ثمنه الصين فى صراعها الطويل المدى مع الولايات المتحدة؟!!
أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات صحيحة.