بقلم - عماد الدين حسين
بعد طول انتظار زاد على العام الكامل ينطلق اليوم رسميا الحوار الوطنى فى جلسته الافتتاحية الساعة الثانية ظهرا بقاعة نفرتيتى داخل قاعة المؤتمرات بأرض المعارض بمدينة نصر، وعلى حد علمى فهى المرة الأولى التى ينعقد فيها حدث كبير داخل هذا المكان منذ فترة طويلة، بعد أن كان يحتضن معظم الفاعليات والمؤتمرات خصوصا طوال عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك.
المفترض أن يحضر هذه الجلسة الافتتاحية كل قادة وممثلى الأحزاب والقوى السياسية والحزبية والبرلمانية والنقابات والهيئات والمؤسسات الأهلية إضافة إلى أعضاء مجلس أمناء الحوار الوطنى ومقررى المحاور واللجان ومساعديهم، إضافة إلى الأسماء المقترحة للمشاركة فى جلسات الحوار الفعلية، علما بأن هذه الجلسة مفتوحة لكل وسائل الإعلام المصرية والأجنبية.
فى الأيام والأسابيع الأخيرة جرت العديد من محاولات الشد والجذب بين القوى السياسية المختلفة حول طبيعة وشكل وآليات الضمانات التى يفترض أن تقدمها الدولة المصرية لبعض الأحزاب السياسية المشاركة فى الحوار، خصوصا أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية. وتقديرى أن هذه الحركة اتخذت القرار الصحيح حينما صوتت مساء أمس الأول الإثنين بالمشاركة فى الجلسة الافتتاحية بنسبة 13 صوتا مقابل 9 معارضين.
ليس خافيا على أحد أن الحوار الوطنى تعرض لعمليات هجمات وانتقادات كثيرة من قوى مختلفة بعضها بحسن نية لأن الحوار من وجهة نظرهم تأخر فى الانطلاق كثيرا، لكن أيضا هناك آخرون هاجموه بعنف بسوء نية، لأنه تم استبعادهم، وكانوا يتمنون المشاركة بأى شرط.
وليس خافيا أيضا أن هناك قوى لا تريد للحوار النجاح لأسباب مختلفة يطول شرحها وليس خافيا أن عددا من الأحزاب حاول وضع شروط تعجيزية للمشاركة ظنا أن الظروف والتطورات السياسية والاقتصادية محليا وإقليميا ودوليا سوف تساعده فى ذلك، لكن للموضوعية فإن منسق عام الحوار ضياء رشوان ورئيس الأمانة الفنية محمود فوزى قد نجحا ببراعة فى الشهر الأخير فى إعادة الكثير من الزخم للحوار. ويمكن رصد العديد من التحركات الناجحة، ومنها أولا اقتراح مد العمل بالإشراف القضائى على الانتخابات لفترة أخرى تبدأ من ١٨ يناير ٢٠٢٤. وهى الفكرة التى رحب بها الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد طرحها من قبل مجلس الأمناء بساعات، وأحالها إلى الحكومة والأجهزة المختصة لدراستها وسبل وآليات تنفيذها.
التحرك الثانى تمثل فى موافقة غالبية وربما جميع المنظمات الحقوقية المصرية بالمشاركة فى الحوار الوطنى بما فيها من منظمات مصنفة على أنها شديدة المعارضة والانتقاد للحكومة، ورأينا كيف أنهم جميعا اجتمعوا مع المنسق العام ورحبوا بالمشاركة وطرحوا أفكارا أولية للنقاش.
النجاح الثالث هو الاجتماعات المهمة التى عقدها المنسق العام ورئىس الأمانة الفنية مع العديد من السياسيين المعارضين فى الأسبوع الماضى ووافقوا على المشاركة فى الحوار، وبعض هؤلاء كان محبوسا، أو شديد المعارضة للحكومة وسياساتها، وليس خافيا أن شخصيات مهمة من التى حضرت الاجتماع الأخير هى قيادات مهمة فى الحركة المدنية التى كان بعض أطرافها يهدد بالانسحاب من الحوار.
أتمنى أن يشارك الجميع فى الجلسة الافتتاحية اليوم، وكذلك فى الجلسات الفعلية التى ستبدأ يوم ٧ مايو الحالى للمحور السياسى، ثم ٩ مايو للمحور الاقتصادى، ثم ١١ مايو للمحور الاجتماعى فى الأكاديمية الوطنية للتدريب. وأتمنى أن تكون المشاركة بأكبر قدر من الفعالية وأن يطرح الجميع كل أفكارهم ومقترحاتهم حتى ينجح الحوار الوطنى، بشرط أن تكون الحكومة أيضا على قدر المسئولية وأن تتخذ إجراءات محددة وتقترح تشريعات واضحة استجابة للحوار الوطنى، حتى لا يتحول إلى مجرد «ثرثرة مثقفين» ويفقد الناس الثقة بأى حوارات وطنية لاحقة.
علينا أن نعيد الاعتبار لفكرة الحوار الوطنى، وعلينا تذكر أننا جميعا فى مركب واحد، وأن ندرك أن الظروف الدولية والإقليمية خصوصا فى منطقتنا شديدة الخطورة علينا، وبالأخص بعد الأحداث الدامية فى السودان. الأمر أكبر مما نتخيل، ويحتاج لآراء وأفكار واستراتيجيات مختلقة وخلاقة لمواجهته.
الحوار الوطنى يمكن أن يكون خطوة مهمة ليسمع بعضنا البعض ونحدد أولويات العمل الوطنى، وأن تكون هناك إجراءات محددة، وضوء فى نهاية النفق، خصوصا فى ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التى نعيشها. لو نجح الحوار الوطنى واكتسب ثقة غالبية المواطنين فإنهم سيكونون سندا للدولة فى تحمل الظروف الصعبة القادمة، أما العكس ــ لا قدر الله ــ فإنه شديد الخطورة، وعلينا ألا نصل إليه بكل السبل.