بقلم - عماد الدين حسين
من هو الشخص الذى سرب أكثر من ١٠٠ وثيقة سرية أمريكية وتسببت فى مشاكل جمة للولايات المتحدة والعديد من حلفائها وخصومها على حد سواء، ويعتبرها البعض الأخطر منذ تسريبات جوليان أسانج عام ٢٠١٠ والتى عرفت بتسريبات ويكليكسس؟
قبل أيام عرفنا أن الشخص الذى يقف وراء هذه التسريبات هو جاك دوجلاس تيكسيرا وعمره ٢١ عاما وهو أحد عناصر الحرس الوطنى الأمريكى، ويعيش فى بلدة دايتون فى ريف ماساتشوستس وعدد سكانها ٨٠٠٠ شخص، وتقع على بعد ساعة إلى الجنوب من مدينة بوسطن.
وطبقا للتقارير الإخبارية المتعددة فى العديد من وسائل الإعلام العالمية فإن المتهم أتم دراسته الثانوية فى منطقة نورث دايتون، وقبل عام انضم إلى جناح المخابرات رقم ١٠٢ فى الحرس الوطنى الجوى لماساتشوستس والذى يعد قوة احتياطية فى القوات الجوية الأمريكية.
وفى يوليو الماضى تم ترقيته إلى رتبة صغيرة نسبيا فى قاعدة أوتيس الجوية للحرس الوطنى فى منطقة كيب كود الغربية ووظيفته فنى أنظمة نقل إلكترونية لتشغيل شبكة الاتصالات للقوات الجوية.
أفراد عائلته لهم تاريخ فى الخدمة العسكرية فزوج أمه تقاعد بعد ٣٤ عاما من الخدمة، وآخر رتبة وصل إليها هى رئيس رقباء فى الوحدة التى يخدم بها تيكسيرا.
أما والدته فكانت تعمل فى مؤسسات غير ربحية تهتم بشئون المحاربين القدماء فى ماسا تشوستى واعتادت الوالدة على نشر صور للعائلة كل عام احتفالا بيوم المحاربين القدماء، وفى إحدى هذه الصور يظهر تيكسيرا مع كلبين مملوكين للعائلة على متن مركبات دفع رباعية.
لكن السؤال كيف بدأت فكرة التسريبات؟!
أول ظهور لهذه الوثائق كان على بعض المنصات مثل تويتر و«٤ تشان» وتليجرام وخادم ديسكورد للعبة الفيديو «ماين كرافت». وفى السادس من أبريل الجارى كان وزير الدفاع الأمريكى لون أوستن أول مسئول يعرف بالأمر.
وعرفنا من التقارير الصحفية إن تيكسيرا وجه الدعوة لمجموعة من الأشخاص فى غرفة للدردشة عبر منصة ديسكورد فى عام ٢٠٢٠، وأطلق عليها اسم «تاج شيكر سنترال»، وتضم من ٢٠ ــ ٣٠ شخصا، معظمهم من الشباب الذكور وينتمون لدول مختلفة. وأفراد هذه المجموعة كانوا يتبادلون النكات والأحاديث العادية ومشاهدة الأفلام وأحيانا إقامة الصلوات، ولكن العامل الأكبر الذى يجمع بينهم هو اهتمامهم بالأسلحة.
تيكسيرا اعتاد على اتخاذ أسماء مختلفة على الإنترنت، منها «أوجى»، وطبقا لأحد أفراد المجموعة فإن تيكسيرا كان الأكبر سنا بينهم والجميع كان يبدى احتراما له ويتمتع بكاريزما ومتحمس للسلاح، وكان حريصا على إثارة إعجابهم. وذات يوم أخبر تيكسيرا المجموعة بأنه يعمل فى مؤسسة تحظر استخدام الهواتف المحمولة، ولاحقا قام بنشر معلومات حساسة عبر غرفة الدردشة عبارة عن صور لهذه الوثائق السرية، وأحد الأسباب لذلك حسب «الواشنطن بوست» أنه كان محبطا من عدم انتباه آخرين فى مجموعة الدردشة لما يقوله.
وذات يوم بعث برسالة غاضبة لأعضاء المجموعة يشكو فيها من أنهم كانوا أكثر اهتماما بفيديوهات اليوتيوب العادية بدلا من الإصغاء لما يقوله، وبعدها بدا غاضبا، وقال لهم فى أكثر من مناسبة: «إذا لم تتفاعلوا مع هذه الوثائق فسوف أتوقف عن إرسالها».
لكن ربما الإشارة الأهم لسلوك تيكسيرا حسب قول أحد أعضاء المجموعة أنه كان مسيحيا ومناوئا للحرب، وأراد فقط أن يبلغ عدد من أصدقائه بما يجرى.
ختام مغامرة تكسيرا أن ستة من رجال الأمن داهموا منزله يوم الخميس الماضى، ووضعوا فى يديه الأغلال، ثم عرض على إحدى المحاكم فى بوسطن. المدعى العام لم يقدم حتى الآن دوافع تكسيرا للتسريبات، لكنه وصفها بأنها عمل إجرامى متعمد، وعندما سئل كيف تمكن هذا الشاب صغير السن من الوصول لهذه المعلومات، قال ميريك غارلاند إن الجيش الأمريكى عادة ما يعهد إلى الأفراد بقدر كبير من المسئولين فى سن مبكرة.
تكسيرا صار خلف القضبان وينتظر المحاكمة، لكن تسريباته ستثير الكثير من الجدل والمشاكل والأزمات بين الولايات المتحدة، وكل الدول التى ورد ذكرها فى هذه التسريبات سواء كانت صحيحة أم خاطئة.
السؤال: هل هناك تفسير لدى علماء النفس أو الاجتماع لظاهرة هذا الشاب، الذى وصفه أحد زملاء الدراسة بأنه كان هادئا وأن ما فعله مجرد فعل غبى!، وهل الظاهرة قابلة للتكرار مرة أخرى سواء فى الجيش الأمريكى أو الجيوش الأخرى؟