بقلم - عماد الدين حسين
بلغ مسئول بإحدى الهيئات سن المعاش، العاملون فى هذه الهيئة ذهبوا إلى رئيسها المباشر متوسطين أن يمد الخدمة لهذا المسئول. الرجل رفض وقال إنه من الطبيعى أن يتم تجديد الدماء فى المؤسسة والبحث عن كوادر جديدة تقود المؤسسة فى المرحلة المقبلة.
وحينما بدأ الرئيس فى البحث عن الشخص الذى سيحل محل المسئول الذى بلغ سن المعاش، قال له المحيطون والمساعدون إنه لا يوجد من يصلح ليحل محله، فكل الموجودين ليس لديهم خبرة أو كفاءة هذا الرجل، فهو الأفضل على الإطلاق، وبالتالى ينبغى أن يتم التجديد له حتى تستمر الشركة فى العمل والتقدم.
فى هذه اللحظة أصر الرئيس الأعلى للمؤسسة على عدم التجديد للرجل، وقال بصورة حازمة إن هذا الشخص لا يستحق عدم التمديد فقط، ولكن يستحق المحاكمة لأنه أخفق إخفاقا شديدا فى صنع وتدريب وتهيئة كوادر جديدة تكون قادرة على قيادة العمل بالمؤسسة فى أى وقت.
من وجهة نظر رئيس المؤسسة ــ وهو صادق تماما ــ فإن هذا المسئول ربما يكون تعمد عدم خلق كوادر فى الهيئة التى يرأسها، حتى لا يحل أحد محله فى المستقبل. وحينما يخرج على المعاش، فإن المؤسسة سوف تترجاه أن يستمر فى عمله باعتبار أنه لا يوجد من يحل محله. من وجهة نظر الرئيس الأعلى فإن القيادى الذى خرج على المعاش ارتكب جريمة مكتملة الأركان، حينما تعمد عدم تدريب وتأهيل وإعداد كوادر جديدة تكون قادرة على القيادة. وحتى لو أنه لم يتعمد فعل ذلك، فإنه يكون قد فشل فشلا ذريعا فى تكوين الكوادر الجديدة، وهى مهمة أساسية لأى مدير أو مسئول فى أى هيئة أو مؤسسة.
القصة السابقة ليست من وحى الخيال، بل سمعتها من مسئول مهم فى إحدى المؤسسات، وحكاها لى فى إطار محاولاته لضبط المؤسسة وإصلاح أوضاعها الإدارية كمدخل مهم وضرورى للإصلاح العام.
وهذه القصة ليست حالة فردية منعزلة، بل للأسف موجودة فى بعض الهيئات والمؤسسات، ليس فقط فى الحكومة والقطاع العام، بل فى العديد من شركات القطاع الخاص أيضا.
ما فعله الرئيس الأعلى لهذه المؤسسة عين الصواب لأن استمرار هذه الظاهرة الخطيرة يدمر ثقافة العمل والإنتاج على المدى الطويل.
لكن السؤال هل نلوم المسئول الذى يحاول الاستمرار فى موقعه على حساب المؤسسة بأكملها، أم نلوم اللوائح والقوانين والروتين وثقافة العمل التى تتيح للبعض ثغرات تجعلهم يدمرون الصف الثانى والثالث والرابع فى المؤسسات المختلفة؟!!!
مثل هذا المسئول سيكون هدفه الأول قتل أى موهبة فى المؤسسة، حتى لا تحل محله، ولن يفكر مطلقا فى إعطاء الفرصة للموهوبين والمجيدين واكتشافهم وترقيتهم، بل إذا وجدهم سيحاول إصابتهم باليأس والإحباط أو التخلص منهم بأى طريقة. فى حين أن المدير الناجح هو الذى سيقوم بإعطاء الفرصة لهؤلاء المتميزين، وسيكون قمة نجاحه الحقيقى هو تكوين صف ثان وثالث ورابع من المسئولين ليحلوا محله حينما يتقاعد أو ينتقل لأى مكان جديد.
المسئولية الأولى تقع على عاتق ثقافة العمل، ومبدأ الثواب والعقاب والتشريعات التى تحكم هذا العمل، لكن هناك مسئولية كبرى تقع على كل مدير ومسئول داخل كل هيئة ومصلحة ومؤسسة ووزارة، ليقوم بتكوين القيادات والكوادر المؤهلة والجاهزة لتولى المسئولية فى أى وقت.
ظنى الشخصى أنه لن يتحقق الإصلاح الشامل من غير إصلاح إدارى حقيقى، والأخير لن يتحقق من دون أن نضمن وجود كوادر مؤهلة ومخلصة وأمينة ونزيهة فوق رأس أى مؤسسة. إذا حدث ذلك سيكون بداية الإصلاح الشامل، أما وجود مديرين غير مؤهلين ولا يؤمنون بالصف الثانى فهم أشبه بالجواسيس الذين يدمرون البلد من دون أن يدركوا أنهم جواسيس!!!.