بقلم - عماد الدين حسين
الحوار الوطنى الذى يفترض أن يبدأ غدا الأربعاء «٣ مايو» لن يحقق معجزة، لكنه قد يفتح كوة وطريقا وبابا للأمل يقود بدوره إلى انفتاح محدود أو شامل، ما يؤدى إلى تحقيق التوافق فى المجتمع، وبالتالى التنفيس عن المشاكل خصوصا فى ظل الأزمة الاقتصادية الصعبة والتطورات العالمية والإقليمية المتسارعة، وبالأخص ما يحدث فى السودان الشقيق.
عدد كبير من الذين يتناولون الحوار الوطنى لديهم إما رؤى مثالية حالمة وإما رؤى يائسة متشائمة، وظنى أن كلتا الرؤيتين خاطئتان، وربما تكون الإجابة الصحيحة كامنة فى منطقة ما فى المنتصف.
ما سبق هو وجهة نظر شخصية مستمدة من حضور كل جلسات الحوار الوطنى الـ ٢٣ منذ الجلسة الأولى التى عقدت فى الأسبوع الأول من يوليو الماضى وحتى الجلسة الأخيرة التى عقدت مساء الأربعاء الماضى، واستمرت ٨ ساعات كاملة.
الخلاف بشأن التوقعات من الحوار الوطنى، هو خلاف موجود بشأن العديد من القضايا المهمة التى تشغل مصر، فى الماضى والحاضر.
معظمنا يفكر بطريقة عاطفية يمينا أو يسارا، ويتخيل أن حلول القضايا المزمنة يمكن أن تتم بقرار أو قانون أو «كبسة زر» كما يقولون.
ولا يريد هؤلاء تصديق أن هناك أزمات هى حصيلة تراكم مشاكل لعقود طويلة وحلها يحتاج إلى وقت وجهد ومال، والأهم تغيير ذهنيات وعقليات.
لا أقول الكلام السابق من أجل إشاعة روح اليأس والإحباط فى قلوب المطالبين بالتغيير، بل أتفق معهم فى ضرورة بدء الإصلاح فى أى ملف يعانى الأزمات، لكن فقط أدعو دائما إلى تحكيم العقل والتحلى بالواقعية ونحن نناقش أى قضية، بدلا من الهروب إلى الأحلام والتخيلات التى لا تقود لشىء.
لو طبقنا القاعدة السابقة على الحوار الوطنى، لوصلنا إلى حل وسط يقول إن السياسة كانت قد أصيبت بما يشبه الشلل ما بعد ثورة ٣٠ يونية ٢٠١٣، وحتى إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى للحوار الوطنى فى إفطار الأسرة المصرية فى ٢٦ من أبريل من العام الماضى، وبالتالى فإن بدء الحوار وجلوس ممثلى الأحزاب والنقابات والمؤسسات والقوى السياسية والمجتمعية المختلفة على مائدة واحدة هو فى حد ذاته تطور مهم حتى لو كان فى نظر البعض ضئيلا.
وحين تؤدى هذه المشاورات واللقاءات والاجتماعات إلى حلحلة فى الشهد السياسى بل والإفراج عن أكثر من ١٤٠٠ من المحبوسين على ذمة قضايا الرأى فهو أمر مهم.
والمتشائمون لا يرون أى شىء إيجابى، طالما أن ما يطالبون به من مطالب تعجيزية لم يتحقق. والمثاليون فى الناحية المؤيدة للحكومة يرون أن ما حدث هو أفضل شىء على الإطلاق وأنه يكفى تفضل الحكومة بالجلوس مع بعض المعارضين.
فى حين أن الواقعيين يرون أن ما حدث أمر طيب لكنه ليس اختراقا، وأنه يمكن البناء على ما تحقق ولو كان قليلا لتحقيق مطالب أخرى بالتدريج.
السياسة كما يتم ممارستها فى العديد من بلدان دول العالم لا تعرف الحلول القاطعة، ولا تعرف أيضا تحقيق المطالب فى التو واللحظة. ومن يمارسونها يدركون أن هناك تعقيدات كثيرة تمنع تحقيق كل يتمناه المشاركون، وبالتالى فعلى الجميع حكومة ومعارضة وخبراء أن يلتقوا جميعا فى مكان ما فى المنتصف.
على سبيل المثال فإن المتشائمين واليائسين فى بعض قوى المعارضة، لا يدركون أنه حتى داخل بعض الوزارات والمؤسسات والهيئات فى الحكومة آراء ورؤى وأفكار مختلفة، قد تجعل صدور بعض القرارات تحتاج إلى وقت ونضج وظروف مختلفة.
والمثاليون فى الجهة الأخرى ينكرون على المعارضة أنها تطالب أحيانا ببعض الضمانات ــ وليس الشروط ــ حتى تستطيع إقناع أعضائها وكوادرها بجدوى المشاركة فى الحوار الوطنى.
ما أريد أن أوضحه أن تحقيق المطالب القليلة والنسبية أفضل كثيرا من التمترس خلف أفكار وقناعات ومواقف جامدة قد لا تحقق شيئا، وبالتالى فإن نجاح المشاركين فى الحوار الوطنى فى الخروج ببعض الإنجازات يمكن أن يؤدى إلى تكرار التجربة فى ملفات أخرى، خصوصا أن القضايا والأزمات والمشاكل مرشحة للاستمرار بسبب الظروف الإقليمية والدولية شديدة التعقيد التى لم تكن موجودة بالمرة قبل الدعوة لبدء الحوار فى أبريل من العام الماضى.
كل التمنيات بالتوفيق للحوار الوطنى وهو يبدأ جلساته الفعلية.