بقلم - عماد الدين حسين
فى عدد أمس الأول السبت كتبت مقالا فى هذا المكان عنوانه: «الأزمات المعقدة لا تعرف الحلول السريعة»، وخلاصته كما يبدو من عنوانه أن الأزمة الراهنة فى السودان للأسف ليست عابرة تنتهى نهاية سريعة كما يحلم أنصار كل فريق.
وعقب نشر المقال تلقيت رسالة من دبلوماسى مرموق سابق، لا يحبذ نشر اسمه جاء فيها: «مقال ممتاز. ولكن المشكلة هذه المرة أن الأحداث فى بلد جوار مثل السودان وليست فى بلد مثل بوليفيا تبعد عنا آلاف الاميال، ولنا فى ليبيا مثال. المؤكد أن الأحداث فى السودان مرشحة لأن تطول، كما فى ليبيا، لذلك من الضرورى أن نبدأ هذه المرة فى رسم استراتيجية تتضمن خطة تحرك قصيرة المدى، وأخرى بعيدة المدى تهدف إلى تأمين اهتماماتنا ومصالحنا فى السودان. ويجب أن نضمن من خلال تحركاتنا المستقبلية ونسيج علاقات واتصالات بكل الأطراف، أن تصب أى نتائج وتطورات فى مصلحة شعب السودان، وفى مصلحتنا أو على الأقل عدم الإضرار بها. ولا أعتقد أنه سيكون من الحكمة تبنى موقف أحد أطراف النزاع. يجب العمل على نسج علاقات بجميع الأطراف وتجميع جميع الخيوط فى أيدينا بشكل أو بآخر».
انتهت الرسالة ولا أختلف مع جوهرها ولكن هناك مجموعة من الملاحظات السريعة.
أولا وعلى مستوى الشكل لا يوجد تعارض على الإطلاق بين فكرة مقالى عن أن الأزمات المعقدة لا تعرف الحلول السريعة، وبين ما جاء فى رسالة الدبلوماسى الكبير من ضرورة التحرك المصرى، فالأزمة الليبية تهمنا أيضا وتؤثر على مصالحنا الحيوية، وقد تحركت مصر كثيرا فى هذه الأزمة ووضعت خطوطا حمراء كان لها تأثير مهم، ورغم ذلك فإن التعقيدات الداخلية الليبية والإقليمية والدولية أدت إلى عدم حل الأزمة حتى هذه اللحظة.
وهو الأمر الذى ينطبق على الكثير من الأزمات فى المنطقة التى تؤثر على الأمن القومى المصرى بصورة أو بأخرى.
أتفق تماما أيضا مع رؤية الدبلوماسى فى ضرورة وجود تحرك مصرى متعدد الاتجاهات لحماية مصالحنا العليا، وإذا كنا ننادى بهذا التحرك منذ سنوات طويلة، ولم يكن هناك صراع مسلح بل صراعات سياسية، فمن باب أولى أن يكون هناك تحرك، وهذا البلد الشقيق يواجه ظروفا صعبة واستثنائية وصلت إلى حد الاقتتال بين الجيش السودانى النظامى وميليشيا الدعم السريع.
ثالثا، أتفق تماما مع ما جاء فى الرسالة من ضرورة وجود اتصالات وعلاقات مع كل القوى السياسية فى السودان الشقيق، وبطبيعة الحال لا يعنى ذلك من قريب أو بعيد وجود اتصالات بأى نوع للميليشيات بكل أنواعها، وقد كتب زميلى خالد سيد أحمد مدير تحرير الشروق مقالا متميزا بهذا المعنى فى نفس العدد أمس الأول السبت بعنوان «مصر وحرائق الجوار».
أظن أنه ليس من الحكمة ولا من الحصافة ولا من المصلحة الوطنية أن تكون علاقتنا فى السودان مع الحكومة القائمة فقط، مهما كانت علاقتها جيدة بمصر، بل يجب أن تمتد وتتشعب للتواصل الفعال مع كل القوى السياسية السودانية حتى لو كانت مختلفة معنا. وحتى تكون الأمور واضحة فإن هذه العلاقات لا تعنى من قريب أو بعيد التدخل فى الشئون الداخلية للسودان الشقيق بل علاقات أخوية قائمة على المصالح المشتركة وفى إطار القانون.
وأظن أن تخلينا عن هذا المبدأ فى السنوات الماضية جعل العديد من القوى الصديقة والعدوة تدخل وتملأ الفراغ الناتج عن الغياب المصرى الملحوظ. ونتذكر أن إثيوبيا على سبيل المثال حاولت بطرق كثيرة الاستثمار فى الأوضاع الداخلية للسودان. وكادت تنجح فى ذلك خصوصا حينما صار رئيس حكومتها آبى أحمد هو الوسيط الأساسى بين القوى السياسية والعسكرية فى السودان بعد سقوط نظام عمر البشير عام ٢٠١٩.
مرة أخرى لا ينبغى أن نجلد أنفسنا وأن نبكى على اللبن المسكوب، بل علينا الاستفادة من دروس الماضى البعيد والقريب واللحاق بالقطار الذى يتحرك فى اتجاهات متناقضة ومتصادمة فى السودان.
الحديث عن الشأن السودانى فى هذه الأوقات الصعبة وما ينبغى أن نفعله متشعب ويحتاج إلى نقاش هادئ وموضوعى يكون شعاره الوقوف بجانب مصلحة الشعب السودانى، وهو الذى سيقود بالضرورة إلى علاقات مصرية ــ سودانية تقوم على أسس صحيحة وراسخة ولا تتغير حسب اتجاهات الرياح الكثيرة.