بقلم - عماد الدين حسين
هل تغير مفهوم القوة الناعمة ليصبح حكرا على من يملك المال والنفوذ بل والقوة المادية والعسكرية، أم أنه لايزال محصورا ومقصورا على التفوق فى الآداب والفنون والفكر وكل ما هو معنوى؟!
أطرح هذا السؤال بمناسبة عودة الحديث عن القوة الناعمة فى المنطقة العربية، وهل تبدلت المعايير القديمة، أم لاتزال كما هى، ومن الذى يقول إن هذه الدولة أو تلك صارت هى التى تملك القوة الناعمة؟
مفهوم القوة الناعمة الشائع حاليا بكثرة صاغه أستاذ العلوم السياسية الأمريكى فى جامعة هارفارد جوزيف س ناى من خلال كتاباته المتعددة بدءا من عام ١٩٩٠، ثم طوره فى كتابه «القوة الناعمة.. وسائل النجاح فى السياسة الدولية» الصادر عام ١٩٩٤.
المفهوم يعنى وصف القدرة على الجذب والضم دون الإكراه، ثم تطور ليصبح التأثير على الرأى العام وتغييره من خلال قنوات أقل شفافية نسبيا، والضغط من خلال المنظمات السياسية وغيرها.
ناى يقول إنه مع القوة الناعمة فإن «أفضل الدعايات ليست دعاية»، وفى عصر المعلومات فإن «المصداقية تعد أندر الموارد».
نظريا فإن القوة الناعمة تعنى أن يكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق ومن خلال الدعم فى مجالات مختلفة مثل حقوق الإنسان والفن والثقافة والآداب مما يجعل بقية الشعوب والأمم تحترم هذا النموذج وتتمنى أن تحظى به أو على الأقل تتبعه.
القوة العادية أو المحضة هى القدرة على جعل الآخرين يقومون بتصرفات لم يكونوا ليقوموا بها لولا أثر القوة التى تم إخضاعهم لها، لكن القوة الناعمة هى القدرة فى التأثير فى سلوك الآخرين عبر الجاذبية والاحتواء وكل ما هو غير قائم على الإكراه وبالتالى وكما يقول أساتذة العلوم السياسية فإن القوة الناعمة هى قوة النموذج وجاذبيته الثقافية وسمو القيم والمبادئ والمصداقية فى الالتزام بكل هذا، أى إنها امتلاك الخصائص التى تجعل الآخرين يتطلعون إلى الدولة باعتبارها نموذجا يحتذى ومصدرا للإلهام.
فى تقدير ناى فإن القوة الناعمة هى أكثر من مجرد تأثير لأن الأخير يعتمد على القوة الصلبة سواء كانت عسكرية أو مادية، وهى أيضا القدرة على الجاذبية التى تقود غالبا إلى الرضا.
فى الماضى كان المفهوم الأكثر شيوعا لهذا المصطلح هو الفنون والآداب والأفكار وكل ما هو غير عسكرى لكن يبدو أن المفهوم أخذ فى التغير قليلا.
وزير الدفاع الأمريكى الأسبق روبرت جيتس قال بضرورة تعزيز القوة الناعمة الأمريكية عن طريق زيادة الإنفاق على الأدوات المدنية من الأمن القومى بالدبلوماسية والاتصالات الاستراتيجية، وتقديم المساعدة الأجنبية وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.
وفى عام ٢٠١٤ فإن مسحا لمؤسسة مونوكل التى تقيس القوة الناعمة دوليا فإن أمريكا تتبوأ المركز الأول ثم بريطانيا واليابان وفرنسا وسويسرا وأستراليا والسويد والدانمارك وكندا على التوالى.
وفى تقدير الخبراء فإن القوة الناعمة تقوم على ثلاثة مصادر هى الثقافة والقيم السياسية فى الداخل والخارج والسياسة الخارجية خصوصا حينما يراها الآخرون تقوم على الشرعية الأخلاقية. وأن يصبح ما تريده هو نفسه ما يريده الآخرون وأن تصبح طريقتك فى الحياة هى النموذج الذى يرغبون فى اتباعه.
وبالطبع فإن المثال والنموذج للقوة الناعمة هو النموذج الأمريكى لدى كثير من سكان العالم.
وخير مثال على ذلك أن الرئيس الكورى الشمالى السابق وحينما اجتمع مع وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق مادلين أولبرايت فإن أول ما سأل عنه هو نجوم السينما الأمريكية، وهل من الممكن أن يلتقى بهم؟!
هذا النموذج الأمريكى ــ وبغض النظر عن قبولنا أو رفضنا له ــ يجعل الكثير من سكان العالم يرتدون الجينز ويشربون المياه الغازية ويأكلون الوجبات المعروفة. لكن فى تقدير الدكتور جمال عبدالجواد فهناك مفهوم مراوغ للقوة الناعمة، فإذا كان الناس يتطلعون لدولة غربية معينة مثل أمريكا ليحتذوا بها، أليس هناك أناس آخرون تطلعوا للاحتذاء بالنموذج السوفيتى السابق أو الصينى الحالى، وبالتالى فالقوة الناعمة ليست دائما ذات مقياس واحد، فهى قد تكون خيرة أو شريرة.
لكن هل هناك قوة ناعمة من دون قوة عسكرية وقوة اقتصادية؟! الإجابة الصحيحة هى لا، لأن القوى الناعمة عالميا هى نفسها القوى العسكرية والاقتصادية. لدرجة أن البعض يقول أن القوة الناعمة صارت أحد نواتج الثروة والقوة العسكرية.
بعد كل ذلك نعود ونسأل عن تطبيق هذه المعايير على منطقتنا العربية، ونسأل: هل لاتزال القوة الناعمة المصرية كما هى؟!