بقلم - عماد الدين حسين
عقب الحادث الحدودى للجندى المصرى الشهيد محمد صلاح إبراهيم الذى كان يطارد مهربى المخدرات على الحدود المصرية الإسرائيلية يوم السبت قبل الماضى، والذى انتهى بسقوط ثلاثة جنود إسرائيليين واستشهاد الجندى المصرى، انقلبت إسرائيل رأسا على عقب، وبدأت تعيد السؤال القديم المتجدد: «لماذا يكرهنا معظم المصريين»؟!.
أحد الذين تحدثوا فى هذا الموضوع هو الإعلامى والباحث الإسرائيلى المثير للجدل إيدى كوهين حيث أبدى استغرابه من أن استطلاعا عشوائيا ضم ٤٨ ألف شخص من العرب بشأن كيف ينظرون لما فعله محمد صلاح وجاءت النتيجة بأن ٩٣٪ منهم يرونه بطلا قوميا، فى حين أن ٧٪ فقط يرونه إرهابيا.
كوهين وعدد كبير من الإسرائيليين مستغربون ومندهشون ومصدومون من هذه النتيجة.
وحينما طالعت استغراب كوهين قبل ٥ أيام، فكرت فى كتابة مقال أرد وأشرح فيه ولأمثاله سر هذا التعاطف الشعبى الكبير من غالبية العرب مع ما فعله محمد صلاح، بفرض أنه قام فعلا بقتل الإسرائيليين.
لكن ما سأكتبه أنا وما سيكتبه أى عربى طبيعى وسوى وعلى الفطرة قد يتم تصنيفه من قبل الإسرائيلين باعتباره موقفا معاديا ومسبقا.
تأخرت فى كتابة هذا المقال إلى أن قرأت بالصدفة فى صفحة الرأى بـ«الشروق» يوم الأحد الماضى مقالا مترجما من صحيفة هاآرتس الإسرائيلية لزهافا غلئون السياسية الإسرائيلية اليسارية وترجمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية بعنوان مميز وذى مغزى هو: «نحن دولة احتلال.. وهذا هو مشروعنا القومى الأكبر». المقال موضوعى جدا وهو أفضل رد على اندهاشات إيدى كوهين وأمثاله من الإسرائيليين، بل وبعض المتعاطفين العرب، فى مقال هذه اليسارية الإسرائيلية المحترمة أنقل بتصرف الآتى:
نحن لسنا دولة محتلة، نحن احتلال له دولة، وهذا الاحتلال هو المشروع الوطنى الأكبر لنا ولأنه مستمر منذ فترة طويلة فلم يعد باستطاعتنا تخيل أنفسنا بدونه. هذا الاحتلال أخذ منا روحنا، وأخذ منا ما تبقى من الديمقراطية لدينا. كان هناك من حذرنا من هذا الثمن، لكننا دفعناه بقلوب مرتاحة وطواعية ونحن نغمض العيون. هذا الاحتلال أعطيناه دماء أبنائنا وبناتنا بحجة الأمن أرسلناهم وقتلنا الفلسطينيين بحجج كثيرة وتحت مسميات متعددة مثل «قص العشب» و«إدارة النزاع» «وأنهم يختبئون خلف المدنيين»، وهاجمنا رياض الأطفال بحجة أنها «أدوات قتالية». وقمنا بتجنيد أدمغة المحامين الماهرين لدينا لكى يبرروا كل شىء نفعله ضد الفلسطينيين.
ومن أجل استمرار الاحتلال خدعنا أنفسنا فى التنقيب فى قوانين الطوارئ الانتدابية لتبرير السلب وتشريع سرقة الأرض وتبرير التعذيب والعقاب الجماعى، وبرر المحامون إقامة مناطق لليهود فقط. والحكومات اليمينية شرعت بأن الاستيطان مباح فى كل أراضى الضفة، وحتى قضاة المحكمة العليا صادقوا على إخلاء العديد من القرى والمدن الفلسطينية بحجة إتاحة التدريب للجيش الإسرائيلى، رغم أننا كنا نقول إن المحكمة العليا هى الحاجز الأخير الذى تبقى لنا وللعدالة.
لقد تعودنا على كل شىء، على المذابح والقرى الفلسطينية المحترقة وقيام المستوطنين بالصلاة أمامها، وآخر مثال لذلك إحراق المستوطنين لقرية جالود وإخراج بعض سكانها منها، وكالعادة تصل الشرطة دائما بعد وقوع الحوادث.
وقبل أسبوعين تم إجبار ٢٠٠ بدوى فلسطينى على الخروج من قرية عين سامية بسبب هجمات المستوطنين اليهود، وبعدها قام المستوطنون بإحراق بعض بيوت قرية برقة، لأنهم استضافوا بعثة من الاتحاد الأوروبى. وفى ١٤ مايو الماضى خرجت «مسيرة الإعلام» الإسرائيلية وسار فيها آلاف الشباب وهم يهتفون «لتحرق قريتكم» فى إشارة إلى الحى الإسلامى فى القدس الشرقية المحتلة.
تختم السيدة غلئون مقالها بالقول: «لقد جعلنا لأنفسنا واقعا بديلا، عالما خياليا خاصا بنا، نحن نخلقه من جديد كل يوم بالأكاذيب أو التجاهل».
انتهت كلمات زهافا غلئون التى نقلتها بتصرف بسيط، وهو مقال موضوعى جدا ويعبر عن الواقع الذى لا يريد بعض العرب رؤيته، لكن المشكلة أن هذا الرأى لا يؤمن به فى إسرائيل إلا قلة قليلة، فى حين أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون الاستيطان واحتلال الأرض الفلسطينية بالقوة خلافا لقوانين الشرعية الدولية، وينتخبون حكومات يمينية متطرفة منذ عشرات السنين.
كنت سأرد على إيدى كوهين، لكن الآن أطلب منه هو ومن يفكر مثله فقط أن يقرأ ما كتبته زهافا غلئون حتى يتوقف عن الاندهاش.