ما هى المهمة الأساسية للحوار الوطنى الذى بدأ فى الأسبوع الأول من يوليو الماضى، وما يزال جاريا حتى الآن؟!
حينما دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى للحوار فى ٢٦ أبريل الماضى خلال إفطار الأسرة المصرية فإنه حدد هدف الحوار فى: «تحديد أولويات العمل الوطنى فى المرحلة المقبلة».
ومساء يوم السبت الماضى وخلال الجلسة السابعة المغلقة قال ضياء رشوان المنسق العام للحوار الوطنى، إنه إضافة لما قاله رئيس الجمهورية، فهناك أيضا مهمة كبرى وهى بناء الثقة المفقودة وفى رأى رشوان فإن أحد الأساسيات لبناء هذه الثقة هو بناء الجسور بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة فى مصر.
قد لا تكون هناك حلول جاهزة لبعض مشاكلنا، لكن إقامة الجسور الصحيحة هى التى تمهد لإيجاد هذه الحلول لأى مشكلة مهما كانت مستعصية.
فى رأى كثير من المواطنين فإن حل المشكلات الاقتصادية الراهنة يفترض أن يكون له الأولوية فى أى لقاءات أو مؤتمرات أو فعاليات أو ورش عمل أو منتديات.
لكن هذا الفريق لا يدرك أن هناك أزمات ومشاكل لا يمكن حلها بقرار أو بمؤتمر، مهما حسنت النوابا، لأنها مشاكل مزمنة وتحتاج إلى وقت طويل حتى تنفرج، وبالتالى فإن فكرة الجسور هى التى يمكن أن تعجل بوضع الأسس الصحيحة لهذه الحلول.
حينما تجلس الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية المختلفة وتناقش القضايا والأزمات والمشكلات بقلب مفتوح وطبقا للواقع وليس التمنيات فالمؤكد أنها ستزيل جزءا كبيرا من الشكوك والظنون ويعذر بعضها البعض حتى يصل الجميع إلى حل وسط يرضى غالبية الأطراف. والعكس صحيح تماما لأن غياب الجسور يزيد الاحتقان ويعقد ويفاقم المشكلات البسيطة.
حتى فى مشكلة التعصب الرياضى خصوصا بين جماهير الأهلى والزمالك فإن إقامة الجسور الصحيحة يمكنها أن تحل جزءا كبيرا من هذه المشكلة، ولنتذكر أن مجلسى إدارة الأهلى والزمالك كانا يتبادلان الزيارات بانتظام فى الناديين وفى البيوت ويتشاركان فى العديد من الأنشطة، قبل أن تنقلب الآية ونشهد هذا المستوى غير المعقول من الانفلات الأخلاقى، ولم يكن أحد يتصور أن نصل إليه، الأمر الذى يزيد من حدة الاستقطاب والتعصب بين جماهير الناديين. تخيلوا لو أن العلاقات صحية بين قيادات الكرة فى مصر، ولو أن هناك جسورا من الثقة، فهل كنا سنصل إلى ما وصلنا إليه؟!
فى المقابل فقد رأيت بنفسى جسور الثقة وهى تبنى بهدوء فى الجلسات الثمانى الماضية للحوار الوطنى.
حينما بدأت الجلسات كانت الأجواء مليئة بالتشكك والتربص والحساسية، وشيئا فشيئا بدأت الجسور تبنى بهدوء ودأب، وإرادة من كل الحاضرين ذوى الانتماءات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة، حتى وصلنا إلى مرحلة أستطيع الجزم فيها بأن الحساسيات قد ذابت والثقة حلت محل التشكك والأعذار حلت محل التربص إلى حد كبير وليس بصورة كاملة.
هذه الجسور لا تخص فقط الحوار الوطنى، بل يمكن نقلها واستنساخها فى العديد من المجالات.
حينما تبنى الثقة عبر جسور الحوار المختلفة فإن التوافق الوطنى سوف يزداد بصورة كبيرة، وبالتالى سوف ينعكس ذلك على تراجع حدة ومنسوب الشائعات التى لا تتوقف.
بناء الجسور سيضرب فى مقتل القوى والتنظيمات والأجهزة المتخصصة فى إطلاق واختلاق وترويج الشائعات، وتشن حروبا إلكترونية ممنهجة بلا توقف ليل نهار.
لا يعنى كلامى السابق أن الحوار الوطنى سيحل كل مشاكل مصر بكبسة زر أو بمجموعة توصيات، لكنه على الأقل سيوفر الأرضية والبيئة والمناخ والتربة اللازمة لمناقشة كل قضايا الوطن بعقل مفتوح وشراكة كاملة بين كل أبناء الوطن المؤمنين بالقانون والدستور، وإذا حدث ذلك، فسوف نكون قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح.